إنه الإرهاب المعولم أو عولمة الإرهاب: من شبه جزيرة سيناء حيث الإرهاب ضرَبَ طائرةً مدنية، إلى الضاحية الجنوبية، إلى العاصمة الفرنسية. وقبل ذلك في تونس ثم في أكثر من منطقة من شبه جزيرة سيناء.
ومن الضربات إلى التهديدات، ما مِن مكان في العالم غير مهدّد. تنظيم الدولة الإسلامية الذي اصطُلِحَ على تسميته تنظيم داعش، لم يترك مكاناً إلاّ وهدّده، ولم يترك شعباً إلاّ وهدده، فكيف يمكن التعاطي مع هذا الواقع المستجد؟
***
خطيرٌ جداً ما يجري، لقد تطوّر الإرهاب من أهداف محددة إلى ضرب كل الإتجاهات، حين وقع الهجوم على مجلة شارلي إيبدو قيل انّ الهدف محدّد، وحين كانت تُستهدف أهداف أخرى كان يُقال إنّ مَن سقَط هو مستهدَف، أما الآخرون الذين يسقطون فهم من سيئي الحظ الذين يُصادف مرورهم في مكان الحادث.
اليوم الإرهاب لم يعُد كذلك: ضربات باريس استهدفت أهدافاً عشوائية لتوقِع أكبر عدد ممكن من الخسائر، ستة مواقع في ساعات معدودة، وعدة أنواع من المتفجرات ومن الأسلحة الرشاشة.
هذا يدلّ على انّ الإرهاب باتَ يتحرّك بسهولة وتكاد أن لا تكون له ضوابط. فالضربة التي استهدفت الطائرة الروسية جاءت بعد أقل من شهرٍ على التدخل الروسي في سوريا، ما يعني انّ الإرهاب بات في حال احتراف متقدّم بحيث يستطيع إسقاط طائرة بتخطيط لا يتجاوز الشهر.
الأمر عينه يتعلّق بفرنسا التي أعلنت منذ أقل من شهر تدخلها في سوريا، فكان التخطيط لضرب ستة مواقع في أقل من شهر.
***
إذا كان الإرهاب يتحرّك بهذه الحيوية وهذه الدينامية، فكيف يُفتَرَض بالدول أن تواجهه؟
من الخطأ التعاطي مع النتائج، بل يُفتَرَض التعاطي مع الجذور من خلال التعاون إلى أقصى حدود مع الإسلام المعتدل.
إنّ التجربة اللبنانية، على سبيل المثال لا الحصر، أثبتت أنّ الإعتدال هو الصيغة الوحيدة التي يمكن من خلالها خرق أي مأزق، فالمتطرفون لا يلتقون بل أهل الإعتدال.
***
وليس من باب المصادفة أنّ الرئيس سعد الحريري، وفي ذروة الإرهاب المتنقّل والمتصاعد، داخلياً وخارجياً، يتمسك أكثر فأكثر بالاعتدال، فيُعلن من خلال تغريدات متلاحقة على تويتر أننا ننظر بإيجابية لكل توجه يلتقي مع إرادة معظم اللبنانيين في ايجاد حل للفراغ الرئاسي، لأن البت بمصير الرئاسة هو المدخل السليم لتسوية تعيد انتاج السلطة التنفيذية وقانون الإنتخاب لطالما نادينا بخريطة طريق بدايتها التوافق حول رئاسة الجمهورية.
لا يكتفي الرئيس الشاب بهذا الكلام بل يُرفقه بالدعوة الى قرارات كبيرة ومصيرية، فيقول أيضاً: انّ درء الفتنة عن لبنان يحتاج لقرارات مصيرية تجنّب البلاد الذهاب الى الحروب المحيطة.
***
هل من وضوح أكثر من هذا الوضوح؟ المطلوب تغريدات سياسية تُلاقي الرئيس الشاب في منتصف الطريق لتحصين الوضع الداخلي من الإرهاب المتصاعد.