هل كان ممكناً توقّع أي تطوّر للوضع اليمني خارج السياق الذي استجدّ مع «عاصفة الحزم»؟ وهل كان ممكناً افتراض بقاء دول الخليج العربي وفي مقدّمها السعودية ومعها سائر مكوّنات الأكثرية الإسلامية، في موقع المتفرّج على ما تفعله إيران في اليمن وفي غيره؟
الواقع، أن إيران وتوابعها في المنطقة العربية تصرّفوا حتى الأمس، بناء على افتراض جوابين محدّدين على ذينك السؤالين. الأوّل يقوم على استمرار الزحف الميداني باتجاه الإمساك المباشر بكل الجغرافيا اليمنية في ظل استبعاد أي تحرّك إقليمي أو دولي مضاد، باعتبار أن بيانات مجلس الأمن معتادة، ومطوّلات التنديد مألوفة.. المهم والأساس هو أن السعودية ودول الجوار العربي ليست «قادرة» على «التورّط». ولا نيّة لديها بذلك «التورّط»، ولجملة اعتبارات، بعضها يتّصل بـ»الخريطة» التي تُرسم مع الأميركيين على هامش المفاوضات النووية. وبعضها يتّصل بـ»إمكانات» الأمبراطورية الناهضة، القادرة والجاهزة للذهاب إلى النهايات!
الجواب الثاني شبيه بالأول لجهة شكله البعيد عن المنطق ومضمونه القريب من هلوسة الانتحاري، وذلك يقوم على أن «تجارب» سوريا والعراق ولبنان دلّت على وجود خلل في تركيبة القرار المضاد. وذلك الخلل هو تحديداً، تلك القيم التي تميز طرفاً عن آخر: طرفٌ يقول إن ما يحصل فتنة لا مصلحة للعرب والمسلمين فيها. وطرفٌ يقول بأن تلك الفتنة وليس غيرها، هي الوسيلة الفضلى لتسجيل انتصارات على طريق البناء الأمبراطوري.
وعلى هامش هذين المحورين، هناك «تفاصيل» من نوع، أن المرحلة التفاوضية مع الأميركيين ستضع المنطقة أمام معطى تاريخي جديد تكون لإيران فيه القدرة على تأمين مصالح القوى الكبرى في مقابل تمكينها من القوى الصغرى.. ومثال الإطلالة على حركة الملاحة في البحر الأحمر الموصول بقناة السويس الموصولة بنصف الكرة الأرضية، كان حاسماً في تكوين تلك الحسابات البائسة.
أخطأت إيران في التفاصيل كما في العموميات. وعلى عادتها تكبّر الحجر ولا تعرف كيف ترميه. وتقاتل بالغير وخارج حدودها ولا تحسب حساب العودة: ذهبت إلى حديث الأمبراطورية وهي بالكاد تعرف كيف «تحرّر» مدينة عراقية واحدة من «داعش» من دون مساعدة جوية أميركية.. ذهبت باتجاه التهويل بالحسم في سوريا وهي بالكاد تتمكن من إبقاء خطوط دمشق مفتوحة.. لم تأخذ (مثلاً) في حساباتها أن الملك العزيز سلمان بن عبدالعزيز، اشتغل منذ اليوم الأول، على بناء موقف خليجي عربي إسلامي موحّد يتخطى هوامش الاختلافات ويركّز على الأساسيات، ونجح في ذلك! ولم تنتبه إلى أن مثال البحرين حاضر وقائم. وأن أحداً في هذا العالم ما عاد قادراً على تحمّل ذلك النزق في الأداء الإيراني وذلك الصلف في اللغة الفتنوية المعتمدة وتلك التبجّحات المغرورة الفالتة من كل عقال وذلك البيان العدائي المكشوف الذي راح في شططه حتى حدود الهلوسة التامة.
«عاصفة الحزم» بهذا المعنى، هي فاصل بين مرحلتين من التعامل مع إيران: مرحلة سابقة كانت فيها السعودية ومعها الأكثرية العربية والإسلامية تمدّ اليد في كل حين باتجاه التفاهم ودرء الشرور..الخ، وتقابل بالصدّ. ومرحلة راهنة عنوانها رمي قفاز التحدّي في حضن الإيراني والمشي على ذلك الطريق إلى آخر المطاف.. وهذا في كل حال، قد يكون الأسلوب الأمثل للوصول إلى حالة ركود تضع حدًّا للجموح العدائي الإيراني، وليس في اليمن وحده!