أن يصبح تشكيل الحكومة، أي حكومة، في لبنان أزمة قائمة بذاتها فهذا يعني أننا في مأزق هو معلم أوّل من معالم «أزمة الحكم». تتبدّل المطالب أو العقبات، أو العراقيل من حال الى حال، ولكنها كفيلة دائماً في تأخير التأليف، وفي تقديرنا أن هذا الواقع يعني أموراً عديدة هنا أبرزها:
أولاً – إن حال تعذر التأليف لوقت طويل لم تكن مألوفة في لبنان، في مرحلة ما قبل إتفاق الطائف، باستثناء مرة واحدة عندما ربط الرئيس الراحل الشهيد المرحوم رشيد كرامي التأليف بإقرار إتفاق القاهرة، وحدث له ما أراد يوم أقر مجلس الوزراء فمجلس النواب الإتفاق من دون أن يطلعوا عليه (وزراء ونواباً) لدرجة أن القلة النيابية القليلة التي عارضته أبرز رموزها العميد الراحل المرحوم ريمون إدة الذي قال قولته الشهيرة «كيف بدّي وافق على إتفاقية مصيرية اطلع عليها شوفير (سائق) ياسر عرفات وممنوع على النواب والوزراء أن يطلعوا على مضمونها».
ثانياً – في أيام الوصاية السورية (المدعومة عربياً ودولياً) على القرار اللبناني كانت أسماء الوزراء تأتي معلّبة. فيتم ما يتقرر في «قصر الشعب» في دمشق، أو في دوائر المخابرات السورية، بما فيها «دائرة عنجر». وبالتالي لم يكن للجانب اللبناني أي كلمة أو رأي. ولقد شهدنا شخصياً على تأليف غير حكومة… وهو ما لا تُصدّق وقائعه إذا قُيض لنا أن ننشرها ذات يوم.
ثالثاً – بعد الوصاية السورية وقع القوم في عجز. إذ فشلوا في أن يتوصلوا الى توافق إلا بشق النفس خصوصاً إن «المدرسة» السورية (في لبنان وليس داخل سوريا) كانت قد تركت تأثيرها على جو التأليف من منطلق المحاصصة… التي باتت اليوم شعاراً مرفوعاً من قبل الجميع من دون استثناء… أما حصة لبنان فلا يسأل عنها أحد على الإطلاق. بل لا يهتم أحد، بعدما بات الجميع يرى أن حصوله على الحصة المنفوخة هو لمصلحة لبنان! هكذا ببساطة غير مفهومة وغير مقبولة.
رابعاً – صحيح أن ليس ثمة مهلة زمنية تقيد الرئيس المكلف بالتشكيل الذي هو مفتوح. وفي المقابل ليس هناك مهلة زمنية تقيد رئيس الجمهورية في توقيع التشكيلة. فلو مارس كل من الرئيسين «حقهما» في تمديد المهلة ماذا تكون النتيجة؟ هذا من حيث التفصيل البليد. أما في المبدأ فإن في مصلحة رئيس الجمهورية كما في مصلحة الرئيس المكلف الإسراع في التأليف… هذا لمباشرة دوره التنفيذي وذاك لإنقاذ عهده من الفراغ.
خامساً – إن في التركيبة اللبنانية لجهة النظام «شيئاً ما يرن» على حد تعبير المثل الفرنسي السائر. وهذا «الشيء ما» هو عدم وجود الضوابط الكاملة التي تسيّر إدارة الوطن… ذلك أن الإعتماد على همّة «الشباب» من مختلف الأطراف لا يفيد ولا يجدي. وهو أصلاً لم يُفِدْ ولم يُجدِ طوال التجارب الماضية المتراكمة.
ومن يقرأ بين السطور في التصريحات المتداولة من هذا الطرف وذاك الفريق وتلك الفئة وذلك القوم يتبين له أنّ ما تحت الرماد جمر متوهّج!