Site icon IMLebanon

سيداتي العزيزات: Go Kitchen

لفتني قبل أيام خبرٌ مفاده أن سيدات لبنانيات (بينهنّ محامية) أسّسن جمعية لـ”حماية خصوصية العائلة والعاملة”. حلو الاسم، ما هيك؟ بس ما حزرتوا: فـ”الحماية” التي تقصدها السيدات مختصرها المفيد أن العاملة الأجنبية يجب أن تعامَل كخادمة تشتغل في خدمة مخدوم. بين الخادم والمخدوم، هناك فارق “طبقي”، يجعل الثاني (المخدوم) أعلى مرتبة وقيمة من الأول (الخادم). المخدوم هو فوق، والخادم تحت. يعني: Go Come Bring Wash Sleep، ونقطة على السطر.

لا يهمّني أن أدخل في تفاصيل الحجج والتبريرات التي عرضتها السيدات الخمس في مؤتمرهن الصحافي الذي عقدنه لهذه الغاية. يهمّني فقط أن أقول إن المسألة هذه لا تحتاج عندي إلى المناقشة: هي أبيض وأسود، ولا لون رمادياً بينهما. فإما أن نعامل هذه المرأة العاملة باعتبارها شخصاً كامل الكرامة، وإما على الكائن البشري نفسه ألف سلام.

سأحاول أن أكون جذريةً في طرحي لهذه المسألة، انطلاقاً من كونها تندرج في سياق قيمي شمولي عند مواطنيَّ اللبنانيين، من دون أن أذهب إلى حد التعميم التعسفي. الاستثناءات موجودة بالتأكيد، وهي جميلة ومذهلة، لكنها لا تكسر المنحى العام، وهو الآتي: فنحن في منازلنا عنصريون، وفي السياسة عنصريون، وفي المجتمع عنصريون، وفي التربية عنصريون، وفي التعليم عنصريون، وفي العائلة عنصريون، وفي اللغة عنصريون، وفي الزواج عنصريون، وفي الحبّ عنصريون، وفي علاقات الصداقة عنصريون. فأين المفرّ؟! معاملة العاملة الأجنبية تندرج في هذا السياق العنصري الشامل، وهي نتيجة “طبيعية” لثقافة عنصرية تقع في صلب فلسفتنا الحياتية وسلّم قيمنا الاجتماعي.

أجل نحن مرضى هذه الثقافة العنصرية، وذلك الاقتناع المتعالي الذي يوسوس لنا بأننا “أفضل” و”أهم”. لأجل هذا تصير المرأة التي تساعدنا في أعمال المنزل، لا شخصاً بشرياً في نظرنا، بل آلة أو وسيلة. ومثلما نعامل الآلة والوسيلة، نعاملها هي بالذات. مَن يفلت من هذا المرض، ويشذّ عن هذه القاعدة، يكون يتمتع بمواهب، أعتقد أنها لا تلقى استحساناً في الحيّز المجتمعي السائد، بل تحظى – أقلّه سرّاً — بالاستهجان والاستهزاء.

لستُ في وارد التشنيع بالناس الذين يستخدمون العاملات الأجنبيات. لكني أنطلق من الوثائق والإحصاءات والأرقام “الرسمية” و”المدنية” المهولة التي تُراكِم الاعتداءات العنصرية المرتَكَبة في حقّهن. فماذا أسمّي هذه الاعتداءات؟ أأسمّيها حمايةً لخصوصية العائلة، على ما جاء في المؤتمر الصحافي للسيدات الكريمات؟ أأسمّيها تربيةً للعاملات، وتثقيفاً لهنّ؟ حسبي أن على هؤلاء الحريصات على “خصوصية” عائلاتهنّ، إيجاد نشاط آخر لملء الوقت، أو “متنفّس” مختلف لشعورهنّ بالقمع، لعله يفيدهنّ أكثر، وفهمكم كفاية.

هذا شيءٌ مقرفٌ ومعيب. ويستحق منا الإدانة.