تحت عنوان خطورة الوضع وضرورة ابقاء التواصل قائما بين القوى السياسية الى حين نضوج ظروف التسويات الاقليمية وانسحابها لبنانيا، لبّى اعضاء هيئة الحوار الوطني دعوة رئيس مجلس النواب الى الثلاثية الحوارية، التي ارتسمت ملامح نتائجها سلفاً على قاعدة «المكتوب يقرأ من عنوانه»، مع ما عكسته من استمرار وقوف كل فريق «على سلاحه»، لتنتهي من حيث بدأت ،مع عودة القديم الى قدمه، وسط عجز متماد على احداث اي تغيير في المعادلة الحاكمة والناظمة للحياة السياسية.
وعلى وقع انسداد أفق الحلول الرئاسية والانتخابية، اختار المشاركون في خلوات عين التينة الحوارية الذهاب بعيدا في مداولاتهم، بحسب اوساط متابعة، إلى حد الغوص في تفاصيل ودهاليز إنشاء مجلس الشيوخ لحفظ حقوق الطوائف في التمثيل السياسي، وإقرار اللامركزية الادارية، بوصفهما أول الغيث نحو تطبيق اتفاق الطائف بعد أكثر من ربع قرن على اقراره، ما قرأ فيه البعض.
محاولة لتفادي الاعتراف بعدم انجاز المتحاورين أي تقدم يذكر، اعتبر بعض آخر هذه الخطوة ملهاة لتمييع حل العقدة الرئاسية، العالقة منذ أكثر من عامين. أمام هذه الصورة تكثر التساؤلات عن مصير الملف الرئاسي، وقانون الانتخاب، ومستقبل الجلسات الحوارية، في ضوء «انحرافها» عن جدول أعمالها الأساسي.
فأهل الحوار لم يُحدثوا بعد 21 جلسة اي ثغرة في جدار الازمة التي يتخبّط بها البلد منذ اكثر من عامين على الفراغ، لم تأت صورة ثلاثيتهم مُغايرة، حيث عكس ترتيب الاولويات بدوره حال الاحتقان بين فريقي حزب الله و«المستقبل» الذي يضخه الحوار الثنائي بجرعات اوكسيجين تمنع انفجاره في الشارع وتنفسه مواقف القادة، لتكون الحصيلة مطابقة للتوقعات.
واذا كانت مواقف المتحاورين اثر انتهاء «الثلاثية» قد خالفت المناخ السلبي الذي تركته الجلستين السابقتين مشيعة بعض الايجابية، مع احالة ما اتفق عليه الى «لجان» لدرس تطبيقه، تؤكد مصادر مشاركة ان النتيجة التي خلصت اليها الايام الثلاث بينت:
– سحب رئيس مجلس النواب لارنب الغاء الطائفية السياسية المستتر من خلال طرح مسالة مجلس الشيوخ ،الذي بانشائه يكون لبنان دخل عمليا مرحلة «القانون الانتخابي الالزامي» الذي سيكون خارج القيد الطائفي.
– محاولة الكتائب الدفع باتجاه اللامركزية الادارية الموسعة في مواجهة استباقية لالغاء الطائفية ،التي حاذر الجميع الخوض فيها مباشرة.
– اصرار التيار الوطني الحر وحزب الله على تمرير قانون الانتخابات وابرام تسوية حوله، في مقابل انفتاح باقي الاطراف على النقاش محاذرين الدخول في تفاصيل القانون.
– خروج مسألة انتخابات رئاسة الجمهورية من الساحة لمصلحة تقدم المشاريع الاخرى ،التي بدورها ستتحول الى مادة خلافية.
– اقرار الجميع ضمنا بان باب التوافق على انتخاب رئيس يمر بالتوافق على القضايا الخلافية، وهنا نجح الرئيس بري في تمرير مبدأ السلة الذي تحدث عنه ورفضه اكثر من طرف سابقا.
– فشل رئيس المجلس في محاولته لتبديل المشهد وكسب الرهان على «انعاش» الحوار وقانون الانتخاب الذي وضع في حال موت سريري.
– اختصار النائب وليد جنبلاط النقاش حول الملف الرئاسي حين قال «القصّة بعيدة»، بعدما لم يعد الملف محلياً،رغم الثغرة الصغيرة في الحائط المسدود المتمثّلة ببدء الحديث عن المرشح الثالث لكن الطريق ما زالت طويلة وغير معبّدة.
– بينت المداولات على الترابط بين الملفات المطروحة على اعتبار أن «من لم يأخذ في هذا الملف قد يأخذ في آخر» حين تصبح التسوية جاهزة.
وتبقى العبرة في الخواتيم كانت العبرة. «مراوحة… ولا حلّ»، و«مش ماشي الحال»، من رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب، طارت مناقشات الخلوة الحوارية الثلاثية لتحط في أحضان ملفي تطوير النظام السياسي وانشاء مجلس شيوخ، بما يكتنفهما من غموض ويغلفهما من عقبات ومصاعب لن تكون حكماً ادنى مستوى من مطبات تعثر الحلول الرئاسية والانتخابية، على وقع التساؤل عن جدوى فتح «ملفات» جديدة يدرك الجميع مدى تعقيداتها وصعوبة بلوغ نهاياتها في ضوء ما يحكم الواقع السياسي الداخلي من تجاذبات وتوازنات وقرار اقليمي بعدم الافراج عن الرئاسة، وارتفاع منسوب الهواجس من امكان ان تكون اهداف طروحات مماثلة مزيدا من التمييع والمراوغة لملء الوقت الضائع في الطريق نحو مؤتمر تاسيسي.
هكذا تفرق «عشاق الحوار» كل في دربه في رحلة صيفية بعد عناء 21 جلسة انتهت بتعادل سلبي ،على امل اللقاء مجددا في الخامس من ايلول، شهر الاستحقاقات الدولية والاقليمية وانعكاساتها المحلية، من الرئاسة الاميركية الى مؤتمرات نيويورك على هامش اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة، عله يحمل معه الترياق الدولي والاقليمي.