تحولت الخلوة السنوية لمجمع الكنيسة المارونية اعتبارا من يوم امس الى ما يشبه الخلوة السياسية جراء معالجتها «مخالفة الدستور والميثاق والصيغة»، وهو انحراف بلغ حدود الامعان في ابقاء الرئاسة الاولى شاغرة لغايات في نفس يعقوب على مدى اربعة عشر شهرا، اضافة الى ما حفلت به هذه المخالفة من ابتكار وسائل ومواقف من اجل تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية من دون اي اعتبار لما يلحق بالبلد من اذى دستوري وقانوني، وبما يلحق من اذى بمجلس النواب وبالحكومة من تعثر في اداء الاعمال المطلوبة منهما، لاسيما بالنسبة الى التعيينات العسكرية والامنية العامة من شلل!
وقد قالها صراحة البطريرك – الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في كلمته الافتتاحية، حيث يشكل كل ما تقدم اساسات الى البيت اللبناني اضافة الى «الكينونة الواحدة التي لا تتجزأ في اطار من المسؤولية والتجرد من اية مصالح شخصية، لاسيما بالنسبة الى معاناة المسيحيين عموما في المنطقة وما تسببت به التطورات من نزوح قسري وتهجير وهجرة مرة، تاركين جنى العمر لمن ليس لهم تعب فيه (…)
من الموجع قول ما قاله البطريرك الراعي، الا في حال اعتباره الكارثة المسيحية – المشرقية شاملة الجميع بلا استثناء، حيث كل تراثنا وجذورنا وتاريخنا ومنبع رسالتنا وانتشارنا الذي «كوناه معا مسيحيين ومسلمين وكوطن العيش المشترك معا في المساواة»، وهذا ما يصح التوقف عنده جراء ما لحق بعالم هذه المنطقة من انحراف طاول الجذور والتاريخ ومنبع الرسالة وانتشارها، لاسيما بالنسبة الى خصوصية الرسالة المسيحية في وطن العيش الواحد في مساواة بين الجناحين المسيحي والمسلم، اضافة الى ما حصل من تأثير على النظم القائمة جراء خطط وممارسات ارهابية اثرت على الحريات العامة والديموقراطية والحوار الوطني المسؤول (…)
وتابع البطريرك الماروني القول عن ان المرتكزات الاساسية قد اهتزت من منطلقاتها، الدستور، والميثاق الوطني والصيغة التطبيقية، وهذا الكلام لا بد من انه قد طاول المسيحيين اكثر مما طاول سواهم من ابناء الوطن، طالما انهم ساهموا عن حق في تشتيت القوى الواحدة الى مجموعة قوى في مقدمها ما ادى الى منع انتخاب رئيس الجمهورية لاعتبارات شخصية من الواجب اخذها في الاعتبار، في حال اراد البطريرك الراعي ومعه سينودس الطائفة تحديد نقاط الخلاف والابعاد اللازمة عدم تجنبها مهما كلف ذلك من اثمان؟!
وتابع البيان الافتتاحي القول تكرارا: «فبسبب مخالفة الدستور والميثاق والصيغة، نشهد هذا الانحراف الذي بلغ الامعان، على مدى اربعة عشر شهرا، في تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، وفي ابتكار الوسائل والمواقف من اجل هذا التعطيل، وفي ربط الانتخاب بالنزاعات السياسية والمذهبية المسلحة، الدائرة في المنطقة، من دون اي اعتبار لما يلحق المجلس النيابي عندنا من تعطيل، والحكومة من تعثر والتعيينات العامة من شلل. نحن نؤمن بأهمية الصلاة والتوبة من اجل ان يمس الله ضمائر المسؤولين عندنا لكي يعوا جسامه ما يجري بحق لبنان وشعبه ومؤسساته، وضمائر امراء الحرب في بلدان الشرق الاوسط، ملتمسين السلام العادل والشامل والدائم لسوريا والعراق واليمن وفلسطين».
هل يكفي كل ما تقدم للقول ان «بكركي تعرف اين الخطأ المسيحي في مجال استجرار المشاكل قبل ان تتطور الامور الى الاسوأ»، وهذا واضح باستثناء القول ان بعض القادة المسيحيين غير مهتمين بالكلام لانهم على خط مصالح مشتركة مع بعض المسلمين والمقصود هنا بالذات تفاهم التيار الوطني بقيادة رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد المتقاعد ميشال عون مع حزب الله الشيعي، والجانبان ينطلقان من فهم واحد مفاده ان استمراريتهما في التفاهم يمنع على اي طرف سواهما تحقيق ما يرغب فيه!
ان اي كلام مغاير يعني وضع الرأس في الرمال حيث لا مجال ازاء ذلك من اصلاح الخلل السياسي والامني المتمثل بسلاح حزب الله الذي يجاهر به من دون حاجة الى اية شهادة بانه سلاح شرعي، بما في ذلك من مقولة تتعارض مع منطق الامور حيث يمنع على اي كان اقتناء السلاح من دون حاجة الى التوقف عند الاعتبارات؟
من الواضح ان معظم ما اشار اليه البطريرك الراعي يشكل حكا على الجرح الوطني عموما والمسيحي خصوصا الى الحد الذي يحتم القول ان بكركي تعرف اين يكمن الخطأ لكنها تشعر بالاحراج في حال اضطرتها الظروف لان تسمي الاشياء باسمائها، تجنبا لمواجهة الخطأ رأسا الى رأس ووجها الى وجه مهما اختلفت النتائج!
يبقى القول ان مجالات كشف الحقيقة لا تنفع وحدها لوضع الامور في نصابها، لان هناك جهة مصرة على القول «عنزة ولو طارت»؟!.