Site icon IMLebanon

صلاة الماعز

حين يعاني السنّة والشيعة، وفي حضرة الغيب، من الاعتلال السياسي، وحتى من الاعتلال التاريخي. وحين يشكو الدروز من تقهقر الدور، كيف لا يشعر المسيحيون بأزمة البقاء او اللابقاء؟.

المسيحيون الذين صنعوا لبنان، ومن اروقة سايكس – بيكو عام 1916 الى اروقة فرساي عام 1919 كانوا وراء الالق الثقافي والحضاري في لبنان. لنتذكر ما هو دور الجامعة الاميركية، وكانت تدعى «الكلية الانجيلية»، في انتاج النخب حتى في المنطقة، وفي انحاء مختلفة من العالم. لنتذكر ايضاً ما قدمته جامعة القديس يوسف للبنان وللبنانيين…

جامعتان منارتان في الشرق الخارج للتو من الغيبوبة العثمانية. كليات ومدارس انتجتها الاديرة لتعطي البلاد اجيالاً على تواصل بل وعلى تفاعل مع الحداثة الغربية، وان كانت بعض القيادات المسيحية، الاقرب الى ثقافة القوقعة، قد خلطت بين التواصل والتبعية، وبين التفاعل والتلاشي….

المشكلة ان القيادات اياها اعتبرت ان لبنان الذي صنع خصيصاً للمسيحيين يفترض ان يبقى الى الابد دولة المسيحيين. الآخرون ليسوا اكثر من ملحقات بشرية او جغرافية. كان هناك اللبناني الابيض واللبناني الاسود. باستثناء ما فعله فؤاد شهاب، وكان ظاهرة استثنائية في مسلسل الرؤساء، لم يدرك اي من الآخرين ان بناء الوطن هو، بالدرجة الاولى، بناء المواطن…

هكذا راحت الرياح تلعب بنا، حتى الآن لا تزال الرياح تلعب بنا. مفكرون وكتاب لا يرون المصائب سوى في النظام السوري، ولا يهزهم ما تفعله انظمة القرون الوسطى، ومفكرون وكتّاب لا يرون ان الآفة القبلية، وقد انتجت تلك الايديولوجيات القاتلة، ترعرعت ايضاً على الارض السورية، وبفعل العديد من اهل النظام الذين رأوا في لعبة الخيوط، وغالباً ماكانت خيوط العنكبوت، هي اللعبة المثلى للسلطة، ولبقاء السلطة…

مثلما الثنائي الشيعي اغتيال للشيعة، وان كانت الذريعة التلاحم بدل الالتحام، الثنائي المسيحي اغتيال للمسيحيين ما دام ينظر الى المسيحيين الآخرين على انهم «اهل الذمة». متى يدرك ملوك الطوائف انه حين تموت التعددية داخل الطائفة (او داخل الطوائف) تموت، تلقائياً، داخل لبنان؟…

هذا ينطبق على الاحادية السنية، وعلى الاحادية الدرزية، وعلى اي احادية اخرى تكرس فديرالية الطوائف، وديكتاتوريات الطوائف، في دولة تمتلك كل المواصفات، وكل النخب، لتخرج من ثقافة البداوة الى ثقافة القرن…

لا احد معني بالطائفة وانما بزعامة الطائفة. هذه هي طامتنا الكبرى، ان يتحول المواطنون الى رهائن. كلنا رهائن، وكلنا قهرمانات الجمهورية، والدليل كيف يقودوننا، كما قطعان الماعز، الى صناديق الاقتراع التي هي بشكل او بآخر، قبورنا.

لا نعتقد ان الوزير جبران باسيل، بذلك الطرح المريع لتأهيل المرشحين، يشذ عن القاعدة. الكل يعمل على اساس استقطاب الطائفة، ودائماً بشعارات تتعلق بالوجود، كما لو ان الطائفية اياها ليست طريقنا، المكللة بالغار، الى جهنم وديار جهنم…

هنا نريد ان نعرف ما هو رأي رئيس الجمهورية. الرجل الذي وعدنا بالتغيير والاصلاح، وبمكافحة الفساد، وبالعدالة. والرجل الذي يعلم ان اللبنانيين كلهم مهددون بوجودهم ما دامت لعبة الخرائط على طاولة الكبار. لننظر الى سوريا، ونسأل ماذا يحدث هناك (الذي هو بصورة او بأخرى…هنا).

لفخامة الرئيس تقول ان ثمة من يشيع بين اتباعه بأن الفديرالية او الكونفديرالية، التي تضرب سوريا، آتية، حتماً، الى لبنان، وبأن الساعة دقت ليقوم الكانتون المسيحي الخالي من النازحين السوريين ومن اللاجئين الفلسطينيين الذين سيكونون من نصيب الآخرين، ولتكن حربهم حتى يوم القيامة….

من يسعى لذلك، والتأهيل الطائفي مهما كان بريئاً، اذا كان بريئاً فعلاً وليس نتاج تلك الشائعة، يعني تكريس ثقافة الكانتونات، في حين ان التلاحم بين اللبنانيين جميعاً، لا التصدع ولا التشرذم، هو السبيل الوحيد للبقاء…

نعلم اي مصير ينتظر سوريا، والتعبئة المذهبية والاتنية في ذروتها، ونعلم اي مصير ينتظر العراق، والذئاب المذهبية تصول وتجول على الشاشات. في هذه الحال، اي منطق ذاك الذي يقول بحماية المسيحيين، وحماية حقوقهم، وليس حماية اللبنانيين وحماية حقوقهم؟…

نحن الدولة. نحن اللادولة. فضيحة السوق الحرة في مطار بيروت، وبالاسم يعرف من هم اصحاب الدولة ومن هم اصحاب المعالي، ومن كل الطوائف، الذين انغمسوا في وحولها، فمن يصدق ان احداً من هؤلاء سيظهر، ذات يوم، وراء القضبان؟…

اين تفترق ثقافة الطائفة عن ثقافة المافيا في لبنان؟ لماذا، اذاً، لا تكون خطوة الى الامام باتجاه الغاء الطائفية السياسية بدلاً من تتويج المذهبية السياسية التي تعني انحدارنا بل وانتحارنا؟.

كل ما يعنيهم الكراسي. اللبنانيون هم الكراسي البشرية. ظهورنا جميعاً بتصرف اولياء امرنا. ذات يوم كتب امين نخلة عن صلاة الماعز. هل كان يقصدنا حقاً؟!