منذ ما يقارب الخمسين عاماً، منذ سنة 1975… ونحن مع بداية كل عام نتبادل التهانيء التقليدية والتمنيات … أعاده الله عليكم وكلُّ عامٍ وأنتم بألف خيـر.
وكان الله يتقبّل دعاءنا، بفعل ما نتحلّى به من فضائل «البِـرِّ والتقوى»، فيعيده علينا عاماً بعد عـام بأسوا ما يحمله العـام الذي يسبق من مصائب ومصاعب…
وبدل أن نكون في كلِّ عام بألفِ خيـر، نصبح بألـف شـرّ، ولم يصدق في أيامنا قول بولس الرسول: «عندما يكثُـر الشـرّ يتدفّق الخيـر …» بل عندما يكثر عندنا الشرّ يتدفّق الشرّ.
نتيجة جهلنا الثقافي والأدبي لم نعرف كيف نتصدّى لشرور السنين «عيدٌ بأيـةِ حالٍ عُـدْتَ يا عيدُ».
ونتيجة ما تراكم فينا من شكٍّ وطني، أصبحنا شعباً نفتّش عن الوطن، والوطن يفتّش عن الشعب، وأصبح الشعب شعوباً، والشعوب مذاهب ، ولكلِّ مذهبٍ نبـيٌّ ووَثَـن.
ونتيجة ما تداخل في إيماننا مِنْ إزدواجية بين روحانية السماء ومادّيةِ الأرض ، أصبحنا لا نعرف كيف نفـرِّق بين وثَنـيٍّ يعبد أصناماً من الحجر ، ووثَـنيٍّ يعبد أصناماً من اللحم.
الزمن في ناموس الروزنامة الكونية ينطلق مع السنين نهوضاً نحو الأمام ولا يتقهقر تخاذُلاً الى الخلف.
الزمن يصنعه كبار الرجال في الأمم، ويروّضه القادة التاريخيون ويحرّكون به التاريخ.
والرجال الصغار يديرون وجوههم الى الماضي، وظهورهم الى المستقبل، فتقذفنا الحياة معهم الى خارج التاريخ، ويدور الزمن فيـنا على نفسه فنجهل ما إذا كنَّـا نعيش في الحاضر أو في الماضي، وما إذا كان أمامنا ما يقال لَـهُ مستقبل.
والزمن في متغيراته يحمل أيضاً هويةً كونية في بُعْدِها الحضاري والديني، هوية الزمن في الغرب تختلف عن الهوية الشرقية والهوية العربية، فهي لا تزال تُـطوِّر نفسها مدنياً وحضارياً، فيما الشرق لا يزال يعيش في القرون الوسطى، ومع أننا في القرن الواحد والعشرين لا يزال العرب الرُحّل يحملون كهوفهم معهم حتى ولو سكنوا في ناطحات السحاب، وبين كهوف القرون الوسطى وناطحات السحاب في القرن الواحد والعشرين لم يتغيَّر في الإنسان العربي شيء، حتى النطاح بالقرون.
يقول الأب ميشال حايك في إحدى عِظات الصوم: «يُعابُ على الشرق منذ ألف عام أنـه لم يُنْجب سوى الجحافل البربرية من تـتَرٍ ومغولٍ وسلاجقة وتركمان يتقدمهم الموت ويخلفهم الدمار… أما الغرب حتى في أزمنة استعماره لنا، فإنه منذ الإسكندر حتى الرومان قد حمل إلينا الفكر والشرع والفن والمعرفة التي لا تزال معالمها عندنا قائمة…».
ولكن… لم يذكر الأب ميشال حايك أن الإسكندر المقدوني عندما استولى على المتوسط وآسيا ومصر وبلاد العجم كانت أوروبا لا تزال متوحِّشة، وفيما أخذتْ أوروبا المتوحشة تنهض في مراقي التطور المدني ومراتب الإزدهار، راح الشرق ينكفيء بفعل التعصُّب والجهل الى عصور التوحُّش.
ولم يذكر الأب حايك ، أنّ لبنان الذي كان سويسرا الشرق «ودرّة الشرقَيْن» قد عاد بـهِ التَـتَرُ والمغولُ الى بربرية الشرق.
هذا يفسّر كيف أن القادة والحكام يصنعون الزمن أعياداً لشعوبهم، فلا يكون العيد عندهم ناقوس جنازة بل بشارة حياة.