هبّ الشباب هبّة واحدة ونزلوا إلى الميادين ينادون بإسقاط النظام. اقتربوا أكثر قليلاً من مواقع القرار، ليس لوجستياً فقط، ولكن بشحنات الرفض والغضب لمن يحمّلونهم مسؤولية انزلاق نسب كبيرة منهم إلى خط الفقر المدقع. هتافاتهم كسرت المحرمات في مناطق خُيِّل لأصحابها انهم ضبطوها وصادروا أصوات ناسها الى أبد الآبدين.
هذه المرة، مربط الفرس كان الـ”واتساب”. فهو من كسر ظهر بعير السلطة. زلزل مفاصلها. فقد شعر مستخدموه أن وقاحة السرقة المنظمة لكل قرش مثقوب يحصِّلونه بطلوع الروح وصلت إلى مواصيل غير مسبوقة. أو هم شعروا أن فسحة التواصل المجانية المتاحة لهم عبر هذه الوسيلة انتهكت. فانكشفوا وانفجروا وفتحوا كل الدفاتر، ولم يوفروا أحداً من شتائمهم البذيئة على الهواء مباشرة.
الـ”واتساب” صار الشرارة، فالدعسة الناقصة للسلطة لم تمر، هذه المرة، كما مرّ التلاعب المتواصل بالدولار وحجبه عن الذين جمعوه سنتاً سنتاً وأودعوه المصارف ليستعينوا به في أيامهم السوداء، أو كما مر التلاعب بربطة الخبر التي تخضع إلى رجيم قاسٍ، أو كما أذلت الناس طوابير الانتظار للحصول على الوقود في لعبة مكشوفة لتحصيل الأرباح.
لكن المتابع لما جرى ليلة الغضب هذه، لا بد أن يضع قلبه على كفه. لا بد من السؤال: ماذا بعد؟ والى أين؟ ومن سيستثمر غضب الغاضبين؟
إذا انفجرت التركيبة السياسية الحالية من سيرثها؟
ربما علينا البحث عن القادرين على إدارة تركة هذه الدولة الفاشلة. فالوضع المهترئ لن يحول دون المسارعة الى استغلاله لمزيد من الاطماع الإقليمية. قد يتم اختيار كبش فداء تمّ إضعافه “au fur et à mesure”، باستنزاف شعبيته وتفشيل مشاريعه الانقاذية للحد من الانهيار، وتحميله وحده دون سواه مسؤولية ما آلت اليه الأحوال.
مرة ثانية لا بد من الاستدراك، لأن هذه الـ”قد” الكلاسيكية قد تُواجَه بـ”قدود” متشابكة. فالطبقة السياسية بغالبيتها غاطسة حتى أذنيها في المحاصصة، أو بالتغاضي عن المحاصصة والاكتفاء بالمعارضة النوعية. وضريبة الـ”واتساب” الدولارية كشفت مستورها، إذ صرح أكثر من وزير أن الجميع وافقوا في الداخل من دون تسجيل أي تحفظ، ليتراجعوا عندما وقعت الواقعة. والواضح أن التراجع ساهم في صب الزيت على نار الغاضبين وزلزل المقامات ليلة الأربعين. وربما لن ينفع تنفيس الغضب بكبش فداء لرأب الصدع الذي يكبر في البيئات الحاضنة.
اللبنانيون على ما يبدو، كفروا بالتلويح بملفات الفساد الخالية من الفاسدين والنابضة بالنوايا المبطنة، وفهموا ان هذه السلطة بكل من فيها لا همّ لها إلا البقاء على قيد الحكم على حساب لقمة عيشهم.
ومع ذلك، لا بد لمتابع ليلة الغضب هذه من أن يضع قلبه على كفه. فالحكاية لا تقتصر على احتجاجات تتمسك بالـ”واتساب” المجاني. الحكاية في المتربصين والمعدّين عدتهم بمخططات واستراتيجيات بدأ الإعلان عنها مع “قلب الطاولة” وتمّ التداول بسيناريواتها في الاجتماعات الليلية.
وبانتظار تبيان الخيط الأسود من الخيط الأبيض للغضب الشعبي… الله يستر…