الله يستر من الأعظم، كانوا أمس يردّدون هذه الجملة تعليقاً على المستجدّات الحربجيّة التي سيغطّسون لبنان فيها انطلاقاً من الجرود والحنوات المؤديّة إلى القلمون، والمحيطة في الوقت نفسه بطريق العبور إلى دمشق، فبغداد. والعكس بالعكس.
لا اتفاقات أو تفاهمات داخلية على الحد الأدنى من التدابير والخطوات العمليّة والفعّالة التي من شأنها تسييج لبنان بالحدّ الأدنى من الإجراءات الأمنيّة والسياسيّة. وفي المقدمة الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهوريّة.
ثم التمسُّك بـ”قرار النأي بالنفس” ودعمه، لا تعريضه للهزّات ثم تجاوزه بالقفز من فوقه لإعلان الحروب وخوض المعارك في أربع دول عربيّة… ومن دون إطلاع المسؤولين والحكومة والقادة البارزين، لا أقلّ ولا أكثر.
لهذه الأسباب، ولعوامل تساهم في ترسيخ الفراغ الرئاسي، يهمس عددٌ من القادة العرب في آذان بعض المسؤولين اللبنانيّين أن البلد الصغير بات على مسافة فرسخ أو أقل من الانزلاق إلى مثل الفوضى المدمِّرة التي تعانيها دول الجوار.
وبكثير من الصراحة المرفقة بالتأسّف والتأفّف، يضيف هؤلاء أنه ليس في استطاعة الدول الشقيقة والصديقة، مهما بلغت غيرتها ولهفتها على لبنان، أن تقدّم أو تؤخّر في الموضوع الرئاسي، مثلاً.
ولا حتى في الموضوع الأمني الذي يستأثر به “حزب الله” وحده على صعيد الانخراط في حروب الآخرين، وكفريق ضد آخر. مما يُراكم الأخطار والمحاذير على لبنان كلّه، وعلى تركيبته بصورة خاصة. كما على النظام والدستور والميثاق والمؤسّسات.
الصورة المأسوية للحالة اللبنانيّة واضحة بكل معالمها، وامتداداتها، ودلالاتها. لكن أحداً لا يستطيع أن يقدم على خطوة يُكتب لها النجاح، ما لم يكن هناك تفاهم متماسك وصريح بين مختلف القوى اللبنانيّة على ما يجوز وما لا يجوز، وعلى ما يفيد وما يضرّ… وانطلاقاً من النقطة الحسّاسة جداً والموضوع المركزي: الإجماع على اختيار رئيس توافقي.
تماماً، واستناداً إلى سياسة الرئيس صائب سلام التي ذهبت مثلاً وأضحت من القواعد الأساسيّة في السياسة اللبنانيّة: التفهُّم والتفاهم، ومن منطلق لبنان واحد لا لبنانان. ومن غير تسجيل انتصار لفريق على حساب الفريق الآخر.
الحوار بين “تيّار المستقبل” و”حزب الله” لا بأس به. على الأقلّ، لا يضرُّ ولا ينفع عندما تدقّ ساعة اتخاذ قرارات الحرب، سواء في القلمون أم في عدن، أم حيث ترى إيران ما يخدم مصالحها…
إذاً، والحال هذه، كلما طال زمن الفراغ الرئاسي، وزمن انتظار الترياق من طهران، وزمن توصّل أميركا والدول الكبرى إلى كامل تفاصيل الجغرافيا الجديدة للمنطقة، ازدادت المخاطر المصيريّة المحدقة بلبنان المشلول.
أي كلام آخر ليس إلا لذرّ الرماد في الأعين.