IMLebanon

“أبغض الحلال عند الله الطلاق”!

الطلاق هو “أبغض الحلال عند الله”. هذا ما يؤمن به المسلمون. ورد هذا القول في حديث للرسول العربي الكريم محمد بن عبدالله. والطلاق صار “أبغض الحلال” عند المسيحيين في الدول التي تحوّلت مدنية وعلمانية في العالم المتقدم. كما إنه أبغض الحلال أيضاً عند محاكم روحية في كنائس مسيحية معينة. وهو أخيراً “أبغض الحلال” عند أتباع ديانات غير توحيدية. ويعني ذلك أن انفصال الزوجين بغيض لأنّه يشتّت العائلة ويهدّد الأولاد… لكنه، في الوقت نفسه، حلال عندما يصبح بقاء الزوجين معاً مستحيلاً وخطراً على الحياة أو الأخلاق والقيم أو الأولاد.

لماذا الكلام على هذا الأمر اليوم؟ وهل أصبح لـ”الموقف هذا النهار” بُعد دينيّ؟

طبعاً ليس لـ”الموقف” أي بُعد دينيّ أو مذهبيّ. فبُعده الوحيد وطنيّ. لكن استعماله هو للفت الذين يعتبرون التمديد لمجلس النواب أمراً بغيضاً وذا نتائج غير محمودة للبنان و”شعوبه” المتناحرة، إلى أنه رغم صحة اعتبارهم يبقى “حلالاً” لأن الإحجام عنه قد تكون انعكاساته أكثر سلبية على الوطن وعلى مسيحييه خصوصاً من انعكاسات الإقدام عليه. وهي كثيرة يعرفها اللبنانيون وليسوا في حاجة إلى أن “يوعّيهم” عليها يومياً الزعماء والمرجعيات السياسية والدينية، وخصوصاً الذين منهم ومنها ينتمون إلى الديانة المسيحية وينادون بالدفاع عن مصالح أبنائها في لبنان. علماً أن كثيرين منهم لم يتورّعوا، ورغم انتماءاتهم السياسية المتناقضة، عن إصابة هذه المصالح بأضرار جسيمة قد تكون صارت صعبة الإصلاح، جراء صراعاتهم التي انطلقت من زمان من مصالح خاصة وشخصية وسياسية أكثر من انطلاقها من مصالح وطنية ومسيحية. فالامتناع عن التمديد لمجلس النواب يعني أن الشغور في رئاسة الجمهورية سيبقى، إذ تغيب المؤسسة الدستورية المناط انتخابه بها وحدها. ويعني أيضاً أن الحكومة القائمة ستصبح حكومة تصريف أعمال لتعذّر قيام حكومة جديدة مكتملة “الصلاحيات”. ذلك أنها تحتاج إلى رئيس يجري استشارات نيابية وإلى مجلس نيابي قائم. ولا يمكّنها تمثيلها لكل الأطراف الفاعلين، رغم تصارعهم الدائم، من الحلول مكان المؤسّستين الدستوريّتين “الفارغتين”. وإذا تصرفت كذلك تكون تخالف الدستور، ويكون أطرافها اتفقوا على حكم البلاد خلافاً له. علماً أن اتفاقهم هذا، وهو على ضلالة وكل ضلالة في النار كما يؤمن المسلمون وغيرهم، مستحيل الحصول. ويعني التمديد أخيراً تعبيد الطريق أمام القضاء على اتفاق الطائف الذي أنهى الحروب في لبنان. وهذا أمر سيئ جداً، ليس لأن الطائف كامل ومثالي وخالٍ من الثغر، بل لأنه يفتح الباب لدخول لبنان مرحلة العيش بلا نظام ومرحلة بلوغ عدم الاستقرار الأمني حدّه الاقصى، وفي النهاية التي قد تكون بعد سنوات، مرحلة صعبة جديدة لا مكان فيها للمناصفة بين المسيحيين والمسلمين، بل ربما لتغييرات جغرافية في كيانه لن تكون في مصلحة أي من شعوبه رغم اقتناع بعضها في أعماق قلوبهم أنها تناسبهم وفيها الحل لكل مشكلاتهم. وفي هذا المجال، لا بد من لفت نظر المسلمين، سنّة وشيعة، إلى أن انتهاء الدور المسيحيّ في لبنان سيعني وضعهم في مواجهة بعضهم بعضاً، هم المتعادون منذ فجر الإسلام ولم تفلح القرون الـ14 التي انقضت منذ نزوله على النبي محمد إلا في تعميق هذا العداء، رغم مراحل الهدوء وغلبة الأكثرية وتقية الأقلية ثم حكمها، ثم اجتماع الأكثرية رغم خلافاتها على إنهاء حكم هذه الأقلية أو على الأقل على ضرب نفوذها الذي توسّع كثيراً في العالميْن العربي والإسلامي منذ نيف وثلاثة عقود. وذلك يعني أنهم سيحكمون لبنان معاً حيناً وسيتقاتلون فيه وعليه حيناً آخر. ويعني أيضاً أن الوجود المسيحي الوازن، وإن أضعف من الدور الذي كان يوم تأسيس الدولة واستقلالها، يبقى حاجة لإقامة جسر حقيقي بين المذهبين الأكبر في الاسلام ولبقاء الدور المسيحي الفاعل، ولقيام دولة نهائية فعلاً يتقدَّم الولاء لها على أي ولاء آخر طائفياً كان أو مذهبياً.

طبعاً لا أحد يستطيع الجزم أن الشعوب الثلاثة المشار إليها اعلاه وصلت إلى نضج كامل يجعلها تسير في هذا الخط. ولذلك فإن الخطر على الأقليات سيبقى قائماً، وخصوصاً إذا اعتبرت ان القتال السنّي – الشيعي يريحها مستقبلاً. والدليل ما حصل في سوريا والعراق حيث دفع المسيحيون والايزيديون الثمن، وكذلك إذا اعتبرت انها قوية وأن عندها من يحميها في الخارج.