نسي الناس ان لله وحده ان يحيي وان يميت. فالحياة عطاء وأنت تتقبلها عندك وعند غيرك وينهيها فقط من أعطاها. انها نعمة أي انها ليست منك وترتضيها ارتضاء شكر والحقيقة عندنا نحن المؤمنين ان ربك في الموت لا يستردها الا بما هي منظورة لأنه في الحقيقة يحفظها عنده بسبب من رجائك للحياة الأبدية. ولذلك حرّم الله ليس فقط قتل النفس ولكن كل اعتداء على الصحة بالإهمال لكون النفس ليست لك ملكا ولكنها عطاء تنميه وترفعه ذبيحة لله.
من هنا ان العناية بالصحة بلا مبالغة واجب ألقاه الله عليك. كذلك العناية بصحة الآخرين ولا سيما الموكلين إلى عنايتك. لا يعني هذا ان لك ان تغرق في رعاية جسدك. واهتمامك ليس فقط خوفاً من الموت ولكن قبولاً لك من الله. صح انه يحييك ولكنه يريد ان تشاركه في هذا الإحياء. الله ما جعل نفسه بديلاً منك في إحياء نفسك. يعنى بك ولكنه لا يعطل مساهمتك في حفظ نفسك. ليس هو بديلاً منك لصون حياتك. هذه جبرية عمياء. الله لا يلغي الانسان.
نحن شركاء الله. هذا ليس شركاً. لا تعلوا الله إلى حيث تشعرون انكم لا تقدرون ان تدنوا منه. ما هذا الإله الذي لا تقدر انت ان تقترب منه حتى لو شعرت بلمسه؟ هل من معرفة بغير نوع من اللمس؟
أقرب الى المسيحيين ان يقولوا انهم يلمسون المسيح. ما ييسر عليهم هذا القول معرفتهم ان له جسداً. في الحقيقة لا فصل ممكناً بين جسد المسيح وذاته. جسده من ذاته. يبقى المسيحيون يهودا ان لم يحسوا انهم قادرون ان يلمسوا ربهم هذا. هذه أعجوبة المسيحية انها تدنيك من الله فيما هي تستبقيك على الأرض بالنعمة.
نحن المسيحيين لا نخشى القول اننا في الله. عندما نقول اننا نحيا بنعمته نعني اننا نحيا به لأن عقيدتنا تعلمنا ان نعمته غير مخلوقة. بكلام أبسط نعمته هي هو أي اذا قبلت نعمته تكون قد قبلته هو. كيف يكون هذا؟ كيف يلامس المخلوق الخالق؟ لا نفهم شيئا الا بالنعمة أي بما يفوق العقل. كيف نكون شركاء النعمة وهي غير مخلوقة؟ ليس عندنا جواب عقلي عن هذا السؤال ولا سيما ان الكتاب يؤكد اننا شركاء النعمة. كيف يتحد المخلوق بالخالق؟ لا أحد يفهم هذا الا بالنعمة. لا يكفي جوابك للبسطاء ان الله على كل شيء قدير. هل هو قدير ان يلامسك؟ اذ ذاك أين أنت؟
هل تبقى حيث أنت اذا لامسك؟ الا يكون قد أعطاك شيئا من الوهيته؟ ما معنى هذا وأنت لا تزال في جوهرك؟ الجواب التراثي غير المفهوم عقليا انه يعطيك ذاته. من هنا عندنا ان النعمة غير مخلوقة. كيف يتم الاتحاد بين المخلوق وغير المخلوق؟ ليس في العقل جواب. نقول ببساطة ان هذا تنازل إلهي بحيث ان الله يبقى ذاته ويعطي ذاته بآن.
هذه جدلية عميقة وغير مدركة ان نقول إن الله فينا وإنه يعلونا. كيف يتحد ويضمنا اليه ولا يندمج؟ نجيب فلسفيا هذا جوهره. غير ان العاشقين يقولون إنهم يتحدون به ولا يقلقهم السؤال الفلسفي. “الله نور السماوات والأرض” وأنت تقول بالنور لأنه تراءى لك. هذه مكاشفة لا ينقلها العقل. القلب المستنير هو عندنا مركز للفهم لأن الله انسكب فيه. الانسان يبدأ بفهم الله اذا صار إلهيا أي يفكر بما يفكر الله به. هذا فقط بدء بعده تأتي المعرفة أي ذوقنا لله ولكننا نذوقه اذا أحسسنا انه يذوقنا. هذه مسألة حب لا يفهمها الا العاشقون. واذا قلنا إن الله نور لا نعني انه تنازل للفهم العقلي. نريد انه نزل للكيان البشري بالحب. لماذا الله محبوب وليس معقولاً؟ نحن لا ننفي ان ثمة ذرات حب في كلامنا عن الله والا لما أمكن الكلام.
العقل بعض من نور. لذلك كان الله فيه ولكن العقل ليس كل النور. النور يرى النور.