لعل اللبنانيين أسعد شعوب الأرض بعدما أجمعت صحف الأربعاء الماضي على القول إنهم تلقوا هدية الأعياد باكرا، وإن هذه الهدية «الثمينة» هي جلسة الحوار الأولى بين 3 فرسان من «تيار المستقبل»، و3 فرسان من «حزب الله»، استضافهم الرئيس نبيه بري الذي هندس عملية استئناف الحوار المقطوع بينهما منذ 4 أعوام.
استمرت الجلسة 4 ساعات، وكان من الطبيعي أن تغلب عليها اللياقات والكلام الهادئ، على الأقل تقديرا «للفراكة» الجنوبية التي تقدمت لائحة الطعام، والسمك المطهو بلمسة سياسية ضمنية ليقدم بنكهة الزعفران الإيراني، تذكيرا بقول رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، الذي كان قد أنهى زيارته إلى بيروت يوم الثلاثاء، إنه ليس هناك من وصفة إيرانية في طبخة الرئاسة اللبنانية وإن على الزعماء اللبنانيين أن يقوموا بدورهم في هذا المجال!
بعد مائتين وعشرين يوما على الفراغ الرئاسي في لبنان، تتراجع الطموحات ويتسع مدى القنوط، ويصبح مجرد عقد هذه الجلسة الحوارية هدية لم تتوانَ الصحف ووسائل الإعلام عن وصفها بأنها هدية الأعياد للبنانيين المبحوحين منذ أعوام لشدة تكرارهم القول: «عيد.. بأي حال عدت يا عيد؟».
لم يكن غريبا أن يتم الإعلان بعد جلسة الحوار عن أنهم اتفقوا بداية على أمرين مهمين؛ هما:
أولا: الإرهاب الذي يتربص بلبنان سواء عبر الحرائق أو التعديات والتحديات المسلحة على الحدود اللبنانية – السورية، حيث تبرز مشكلة مرغت كرامة لبنان في الوحول حتى الآن هي أزمة العسكريين المخطوفين لدى «النصرة»، التي جعلت منهم ورقة للضغط والمساومة مع الحكومة، وللتلاعب بأهاليهم، واستطرادا بأعصاب اللبنانيين وكرامة لبنان الذي لم يعد في وسعه أن يتحمل المزيد!
في السياق أيضا، هناك مشكلة الخلايا الإرهابية النائمة التي نجحت الأجهزة الأمنية حتى الآن في مراقبتها وإلقاء القبض عليها، لكن هذا لا يعني على الإطلاق أن المشكلة قد حُلت، أو أنه من السهل حلها، خصوصا أن في لبنان أكثر من مليوني سوري، دخل جزء كبير منهم من دون أي قيود أو سجلات، وليس في وسع الدولة أن تعرف اتجاهاتهم السياسية، ثم إن الحدود ما زالت مفتوحة أمام موجات جديدة من اللاجئين!
ثانيا: أزمة الفراغ الرئاسي المتفاقمة التي تعصف بالبلاد، وقد باتت تمثل تهديدا جديا لأسس الدولة اللبنانية ولنظامها السياسي. وفي هذا السياق، فإن المؤشرات الأخيرة المتصاعدة من خلال عمل السلطة التنفيذية، أي الحكومة التي تتولى مرحليا مسؤوليات الرئيس في غيابه، توحي بمزيد من التشرذم والتناقض والانقسام!
لا أغالي هنا في القول إن الحكومة اللبنانية التي تتشكل من 24 وزيرا يحملون، من غير شر، لقب «أصحاب المعالي»، تعطلها نظرية «الديمقراطية التوافقية» التي تساوي هرطقة كاملة، لأنها تذبح الديمقراطية بسكاكين الاعتراض الأقلوي، وتجعل معالي الأربع والعشرين وزيرا يكتسبون لقب «أصحاب الفخامة»، لأن هرطقة الديمقراطية التوافقية تفرض أن يقوم الـ24 وزيرا بالتوقيع على القرارات لكي تصبح نافذة، وامتناع أي منهم يعطل أي قرار!
هل ستفتح العودة إلى الحوار الذي طال انتظاره الأبواب الموصدة أمام انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟
يحتاج المرء إلى كثير من التفاؤل، كي لا أقول «العباطة»، لكي يأمل في نهاية سعيدة للحوار بين تيار المستقبل و«حزب الله» يمكن أن تساعد في حل عقدة انتخاب الرئيس. ولقد وصل الوضع إلى درجة يكاد لبنان معها يتسول من الخارج من يعمل لمساعدته في معالجة العقد، التي تساعد على انتخاب رئيس للجمهورية. ولم يكن قليلا أن يقف رئيس الحكومة تمام سلام أمام قصر الإليزيه قبل أيام داعيا إلى مساعدة لبنان في إنجاز العملية الملحة الضرورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وفي ظل المساعي الفرنسية الأخيرة التي قرعت أبوابا كثيرة ومنها الباب الإيراني، والمساعي الروسية الناشطة على هامش الاسترخاء الأميركي الإقليمي، ليس كثيرا أن يبدو لبنان كمن يتسول مساعدات خارجية تعالج العقد التي تحول دون انتخاب الرئيس.. وليس كثيرا على الإطلاق إذا بدا مثل «شحاذ» يقف عند قارعة الدول مادَّا يده قائلا: لله يا محسنين.. رئيس!
صحيح أن تاريخ انتخاب الرؤساء في لبنان شهد دائما نوعا من التدخل والتفاهمات الدولية في الماضي، والإقليمية منذ زمن، لكن العقد الخارجية والانقسام الداخلي وعدم تفاهم الموارنة على مرشح أو مرشحين تجري عملية الانتخاب لاختيار الرئيس العتيد منهم، لم تكن متوافرة من قبل على ما هي عليه اليوم؛ فمنذ الاستقلال عام 1943 برز الصراع الفرنسي – البريطاني، فكان انتخاب أول رئيس وهو بشارة الخوري، ثم ليس سرا أن انتخاب كميل شمعون من بعده كان بتذكية من بريطانيا، ثم أوَلم يلعب التفاهم مع جمال عبد الناصر دورا مرجحا في وصول فؤاد شهاب إلى الرئاسة؟ وإذا كان البعض يرى أن انتخاب شارل حلو كان بتوافق أميركي – سوري، فإن وصول سليمان فرنجية من بعده لم يكن ليحصل لولا دخول الاتحاد السوفياتي يومها لمنع وصول عبد العزيز شهاب الذي قيل إنه مرشح فؤاد شهاب، بعد عملية إطلاق الجيش النار داخل حرم السفارة السوفياتية لإحباط سرقة طائرة «ميراج» لبنانية!
مع إدارة سوريا للبنان التي تحولت احتلالا كاملا، صار الرؤساء والحكومات والموظفون يخرجون من القبعات الدمشقية، ومن المعروف علنا أن تمديد مدة رئاسة إلياس الهراوي 3 أعوام كان عبر تصريح أدلى به حافظ الأسد لجريدة «الأهرام». أما تمديد مدة إميل لحود 3 أعوام أيضا فكان بقرار من بشار الأسد الذي قيل في وقائع المحكمة الدولية إنه هدد بتدمير لبنان على رأس الشهيد رفيق الحريري إن لم يمش بالتمديد!
ما لا يصدق أنه إذا كان اللبنانيون على انقساماتهم وارتباطاتهم السياسية المرتبطة حكما بما يجري في سوريا وفي المنطقة التي تهب عليها الضغائن المذهبية، غير قادرين على التفاهم لانتخاب رئيس، فإن المسيحيين غير قادرين على اقتناص أول فرصة في تاريخ لبنان لاختيار رئيس يتفقون عليه.
لكن النكتة أن يقول علي لاريجاني إن إيران تترك هذه العملية لحلفائها اللبنانيين، وأن يقول حليفها «حزب الله» إنه يترك الأمر لحليفه النائب ميشال عون، وأن يتمسك عون بشعار: «أنا أو لا أحد» الذي بات يوازي القول: «إما عون.. أو الله يعين»!