منذ قيام لبنان الكبير، ومنذ انتهاء الانتداب الفرنسي على لبنان، واعلان استقلال لبنان في سنة 1943، لم تكن العلاقات بين لبنان وسوريا، في يوم من الايام، علاقات سوية، يسودها الاحترام والندية والتعاون، سوى في مرحلة قصيرة جداً، ايام رئيس الجمهورية السورية شكري القوتلي، ورئيس الحكومة السورية فارس الخوري، وفي لبنان، الشيخ بشارة الخوري، رئيساً للجمهورية، ورياض الصلح رئىساً للحكومة، وهذه المرحلة امتدت لسبع سنوات فقط، وصل بعدها الى الحكم خالد العظم، وسرعان ما اغلق الحدود بين البلدين، واعلن قطيعة اقتصادية ومالية وسياسية بين البلدين في العام 1950. ومنذ تلك السنة، وعلى الرغم من توالي العهود في سوريا، بسبب الانقلابات العسكرية المتتالية لم تأخذ العلاقات اللبنانية – السورية، الطريق الصحيح، في عهود حسني الزعيم، وسامي الحناوي، واديب الشيشكلي، وعودة النظام المدني الى سوريا برئاسة شكري القوتلي والوحدة بين مصر وسوريا، والانقلاب على الوحدة، الذي قاده ضباط بعثيون ومستقلون، وتفرد ضباط حزب البعث في الحكم بعد تصفية الضباط المستقلين. ولاحقاً حصول تصفيات وانشقاقات ضمن ضباط البعث، وانقسام الحزب بين منظمة البعث في سوريا، وحزب البعث في العراق، ووصول وزير الدفاع السوري حافظ الاسد الى الحكم، بعد انقلاب اطاح بخصومه، الى ان توفي ونودي بابنه بشار رئيساً للجمهورية، وما زال.
اذن منذ عام 1950 وحتى اليوم، لم تكن العـلاقات بين سوريا ولبنان، علاقات شقيق بشقيقته، كما كان يطلق على سوريا، ولا هي عـلاقات طبيعية بين دولتين عربيتين جارتين، ومـرد ذلك حسب رأيي، ان الحكام السوريـين على مر العهود اعتبروا لبنان «خطأ تاريخياًَ وتعاملوا معه على هذا الاساس، كما اعتبروا ان السوريين واللبنانيين هم «شعب واحد في دولتين»، وقد تشرب السوريون هذين المفهومين منذ ولادتهم ونشأوا وكبروا عليهما، ولذلك نادراً ما تصادف سورياً لا يؤمن بذلك، ان كان مع النظام او كان ضده، من هنا يمكن تقدير عمق المشكلة التي يعيـشها اللبنانيون، ليس بوجود 25 مليـون سـوري على حدود وطـنهم فحـسب، بل بوجود اكثر من مليون ونصف المليون سوري يعيشون بينهم ويتقاسمونهم الارض والماء والهواء والكـهرباء والطرقات والاعمال والمقابر، وفي امـاكن كثيرة لا يتقاسمـون مـع اللبنانيـين، بل يسـتولون عليـها، وكل ذلك باسم الاخوة والجـيرة والانـسانية.
***
احداث مخيمات النازحين السوريين في منطقة عرسال والبلدات اللبنانية الحدودية الاخـرى، اثـبتت مدى الخطر الوجودي المحدق بلبنان، وليس الخطر الاقتصادي والمالي والاجتماعي فحسب، واثبتت الوقائع وجود خلايا «داعشية» وارهابية اخرى في كل مخيم على مساحة لبنان كله، واعتقالات الجيش والقوى الامنية الاخرى لاعداد كبيرة من النازحين المخالفين والمسلحين تؤكد مخاوف اللبنانيين من الانفلاش السوري الفـوضوي، وتؤكد ان الوقت قد حان، او ربما تـأخر، لاعادة النازحـين الى بلادهم، واي منطقة آمـنة تم الاعلان عنها في سوريا من قبل روسيا والولايات المتحدة الاميركية تساوي عشر مرات واكثر مساحة لبنان، وآخر اعلان روسي – اميركي عن منطقة آمنة جنوبي غرب سوريـا، تنزع عن اي عودة للنازحين صفة العودة غير الآمنة، لان هذه المنطقة، والمناطق الامنةالاخرى، هي تحت مسؤوليـة الدول المشاركة في الحرب السورية، مثل اميركا وروسيا وايران وتركيا، وليس النظام السوري الذي له مناطقه الامنة الخـاصة، ويستـطيع مؤيدو النظام ان يعودوا اليها آمنين، وكل هذه الحركة يمكن ان تتم عن طريق الحكومة اللبنانية بالتعاون مع الدول الفاعـلة على الارض في سوريا، ولا لزوم لقيام خلاف داخـلي لبناني حول هذا الموضوع الذي يفترض ان يتفق عليه جميع الافرقاء اللبنانيين.
«الله يسعدهم ويبعدهم».