بعيداً من السياسة والسياسيين والانتخابات البلدية والاختيارية التي تحرك معارك تافهة وتثير الغرائز العشائرية بلا اهداف تنموية وتنمّي احقاداً تمتد ست سنوات مقبلة، يقف شبان وشابات تحت أشعة الشمس الحارقة قرب حاجز ضهر البيدر لقوى الامن الداخلي. يتعرّقون ولا يتأففون في انتظار محسن كريم يتوقف برهة، يفتح نافذة سيارته ويتحدث اليهم “يعطيكم العافية يا شباب ويا صبايا”، ويجود بقليل مما جاد به الله عليه من مال ولو قلّ في عز الازمة الاقتصادية التي يعاني منها اللبنانيون هذه الايام.
وفيما انا عائد من البقاع الاحد الفائت، راقبت المشهد من قرب. واحد من نحو عشرين سائقاً يتوقف عند الحاجز “الاحمر”. الاخرون يشيحون النظر او يقفلون النافذة تماماً كما يفعلون مع المتسولين. ثمة اختلاف واضح في هوية الاثنين، اي طالب التبرع والمتسول، غير ان ثمة تقارباً واضحاً في ردود افعال الناس. واذا ما توقف المرء، فانه يسمع بكل تهذيب عبارة “شكراً. انشالله ما بتحتاجونا”، علماً ان احداً من اللبنانيين او المقيمين على الارض اللبنانية، لا يمكن ألا يحتاج مساعدتهم في وقت الشدة، وهم يلبون نداء كل الناس سواء تبرعوا لهم ام لم يفعلوا في هذا الشهر المخصص لحملتهم السنوية لجمع مساعدات لا تلبي الا النزر القليل من متطلبات المؤسسة.
ان التعامل “المهين” مع متطوعي الصليب الاحمر اللبناني، لا يهين المؤسسة بقدر ما يفضح اولئك الذين لا يُعمِلون تفكيرهم في ما يفعلون. فكم من اناس طلبوا خدمة الصليب الاحمر في الليل والنهار. وكم منهم افادوا من هذه المجانية في العطاء. وكم واحد منا يصرف المال من دون حساب على متطلبات كمالية بسيطة فيما الصليب الاحمر لا يطلب اكثر من ثمن لوح شوكولا لمن لا يملك الوفرة، او عشر ثمن زجاجة عطر وما اليهما.
التبرع بالقليل لا يفقر احدا، وهو كمثل فلس الارملة الذي تحدث عنه الانجيل، يتكدس في صناديق التبرعات ليجمع في آخر النهار مبلغاً يملأ خزان وقود سيارة اسعاف تنقل مريضاً في وضع حرج.
وفي حال كان العابر فقيراً، يمكنه ان يتوقف عند الحاجز فيدفع الف ليرة فقط، والاهم ان يحيي المتطوعين، ويقول لهم “الله يعطيكم العافية والصحة. وشكراً لكم على كل الخدمات التي تقومون بها في زمنَي السلم والحرب”. ولنعلم انهم يعملون من دون حساب ومن دون راتب ومن دون تعويضات، ويعرّضون انفسهم للخطر. فعيب اقفال الزجاج او اشاحة النظر عن المتطوعين ، فهؤلاء ابناؤنا واخوتنا واصدقاؤنا.
اليوم يطلق الصليب الاحمر حملته التي تستمر طوال شهر ايار تحت عنوان “لأنو حدّ الكل … خلّيك حدّو”.