لا شك نحن على أعتاب مرحلة جديدة، تحمل من المخاطر ما يستدعي قوة الإرادة كي لا تتبدّد الآمال المرتجاة. لذا يجب عدم الاسترسال في النزعة اللبنانية المعتادة، والتي تبتدع شعارات تمنّي الخير بعد كل شر.
المطلوب اليوم الاقتناع بأن المعركة في بدايتها، وضعت بالفعل الحرب أوزارها أو لم تضع. كانت وستبقى المعركة بين مشروعين: مشروع وطني ومشروع ديني. و”حزب الله” لن يتخلى عن سلاحه لأن هذا السلاح جاء بتكليف ديني، ومن غير الممكن صدور تكليف شرعي مغاير. هو “حزب الله” و”سلاح الله”، ولا شأن لنا أن نتدخل نحن اللبنانيين الآخرين بين الله ومختاريه.
أي مقاربة مقبلة لا تأخذ هذا المعطى بالاعتبار مضيعة للوقت والوطن. قالوها ماضياً بأن سلاحهم أبديّ، وستُكسر اليد التي تمتد إليه، وقبل أيام قالوا معادلة “جيش شعب مقاومة” أصبحت عُرفاً له قوة الدستور، إذاً هو “فالج فكري” لا يُعالج بالنمط السياسي السائد لعشرات السنوات من دون طائل. عام 1992 احتاج “حزب الله” إلى تكليف شرعي من المرشد الإيراني علي خامنئي ليشارك للمرة الأولى في الانتخابات النيابية، لذا من المستحيل أن يقر هذا الحزب بوقائع التاريخ الموضوعية بمعزل عن التكاليف الشرعية. المرشد قال لهم لقد انتصرتم، إذاً لا حاجة إلى التبصر بعد قول المرشد.
بداية الأمل في يد النواب الذين إذا تحلوا بالشجاعة الأدبية، عليهم أن ينتخبوا رئيساً يفتح طريق الحلول بدلاً من رئيس يرعى لست سنوات دولة في موت سريري. وحدها معارضة عابرة للطوائف وجريئة إلى أبعد الحدود، قادرة على عكس اتجاه الأحداث. عند كل مفترق يجب أن تكون المعارضة بالمرصاد، وأي رئيس لا يرذل ثلاثية “جيش وشعب ومقاومة” يكون قد قضى على ولايته قبل بدئها. ومهما كابر “حزب الله” لا يستطيع أن يخفي أنه مأزوم في تكاليفه الشرعية إضافة إلى ما يُحمِّل الوطن من تكاليف. وللتذكير، قبل 8 تشرين الأول من السنة المنصرمة كانت خروقات إسرائيل تعدياً على السيادة، اليوم هذه الخروقات تحظى بقبول دولي. وللتذكير أيضاً، فإن “حزب الله” الذي دشن دخوله المعادلة اللبنانية عام 1982 من باب تفجير انتحاري أدى إلى مقتل 242 من جنود المارينز، اضطر صاغراً لأن يوافق على لجنة دولية للإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار، يرأسها جنرال من دولة “الشيطان الأكبر”.
والحزب استمات أيضاً لتنضم إلى اللجنة فرنسا، الدولة التي قتل لها 48 مظلياً فرنسياً في ثكنة “دراكار” بعد دقائق على تفجير مقر المارينز. “وسيط الشيطان” عام 1982 كان اسمه فيليب حبيب ابن مهاجر لبناني ماروني، في حين الوسيط الحالي، والذي كان القلق يعتري “الثنائي الشيعي” إذا طال غيابه، هو السيد آموس هوكستين اليهودي والجندي السابق في الجيش الإسرائيلي. يبدو أن “تكليفاً شرعياً” صدر برفع الكلفة معه وبقي طي التقية. سبحان مغيّر الأحوال.