اختار بنيامين نتنياهو توقيت الذكرى السبعين لجلاء المستعمر الفرنسي عن سوريا، ليوجه رسالة قوية المضمون لكل الشعب السوري والعالم من ورائه، وهو أن جلاء محتل عن أرض سوريا، لا يعني بالضرورة تكرار ذلك! لا يمكن التقليل من أهمية الجلسة الأولى من نوعها التي عقدتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي في هضبة الجولان المحتلة، واختيار الأراضي السورية المحتلة لإعلان خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مستغلاً الثورة في سوريا، لمطالبة المجتمع الدولي، بأن يعتاد على بقاء الهضبة تحت السيطرة الإسرائيلية، وتحويل الجولان إلى جزء لا يتجزأ من (إسرائيل)، وسط احتمالات بقاء بشار الأسد في الحكم في الفترة القريبة المقبلة على الأقل، كما يتوقع الإسرائيليون ويعملون على ذلك!
على الرغم من أن إعلان نتنياهو الصريح بهذا الخصوص جاء علناً فقط خلال جلسته في الجولان، إلا أن نتنياهو وحكومته بدأا قبل ذلك بوقت طويل بالإعداد لخطة استغلال الأزمة في سوريا، والتقارب مع روسيا، لإطلاق رسائل المطالبة بالإبقاء على الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي، ومنحه شرعية دولية.
وسبق لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أن رصدت أول محاولة إسرائيلية رسمية في هذا السياق صدرت عن نتنياهو خلال لقائه الرئيس الأميركي باراك أوباما، إذ نشرت الصحيفة في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أن نتنياهو عرض على أوباما «إعادة التفكير» في مكانة إسرائيل المستقبلية في الجولان، ومساهمة إسرائيل في ضمان استقرار المنطقة على ضوء انهيار سوريا، كما وصفته، واكتفى نتنياهو حينها بطرح الفكرة أمام أوباما، لكن ذلك لم يمنع ظهور بذور ترويج إسرائيلي لفكرة «سوريا المفيدة»، والحديث الإسرائيلي الرسمي، كتصريحات متطايرة، لوزير الأمن الإسرائيلي موشيه يعالون، بأن سوريا لن تعود موحّدة أياً كانت التسوية التي سيتم التوصل إليها لوقف الحرب الدائرة فيها اليوم.
اللافت أن نتنياهو طرح الفكرة، بالتوازي مع تعزيز التنسيق الأمني والعسكري بين إسرائيل وروسيا، وفق مذكرة التفاهم التي تم التوصل إليها في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، أثناء لقاء نتنياهو بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولم يقف الأمر عند ذلك، إذ انضم الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين، إلى من أدلوا بدلوهم بهذا الخصوص، فكان ريفلين، بعد طرح الفكرة على أوباما في الغرف المغلقة، أول مسؤول إسرائيلي يجاهر بالأطماع الإسرائيلية بإبقاء الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي.
نتنياهو اختار إعلان هذا الموقف، قبل أيام من لقائه المرتقب مع بوتين، ولا يمكن تجاهل التصريح الذي أدلت به وزيرة العدل الإسرائيلية، إيليت شاكيد، في جلسة الحكومة الإسرائيلية، عندما قالت إن هذا الإعلان يأتي الآن لأن هذا هو الوقت المناسب لإعلانه.
تصريح نتنياهو يعبّر عن تقديرات إسرائيلية بأن نظام الأسد سيبقى في سوريا على الأقل في الفترة القريبة، وبالتالي، فإن هذه التصريحات موجّهة أيضاً كرسائل إسرائيلية لنظام الأسد، وكشرط ربما لقبول إسرائيل بمخطط «سوريا الفيدرالية»، وبقاء الأسد في الحكم مقابل استصدار موافقة أو تفاهم ضمني، سواء مباشر أم عبر حلفاء النظام، إيران وروسيا، بعدم طرح موضوع الانسحاب الإسرائيلي من الجولان. رغم أن الموقف الدولي العام ووثائق محادثات جنيف، وما تم الاتفاق عليه حالياً بين وفود المعارضة والنظام ينطلق من واجب الاحتفاظ بكامل الأرض السورية، واستعادة هضبة الجولان المحتلة وإعادتها للسيادة السورية.
العبارة التي ذكرتها الصحف الإسرائيلية، نقلاً عن نتنياهو بأنه أبلغ وزير الخارجية الأميركي جون كيري بأن احتمال التنازل عن الجولان والانسحاب من أراضيه، الذي كان وارداً في الماضي، لم يعد مطروحاً بعد اليوم كخيار للمناقشة، تصبح أكثر وضوحا مع ما كشف عنه، البروفيسور الإسرائيلي إيتمار رابينوفيتش، بأن نتنياهو أجرى حتى وقت قريب من اندلاع الثورة السورية، مفاوضات غير مباشرة مع نظام بشار الأسد عبر الإدارة الأميركية. وامتنع رابينوفيتش، الذي كان رئيس الوفد الإسرائيلي للمفاوضات مع سوريا خلال حكومة إسحاق رابين عام 1993، عن الإدلاء بتفاصيل إضافية حول هذه المفاوضات.
يحاول نتنياهو الاستفادة من التنسيق الأمني مع روسيا، وإحراج موقف إدارة أوباما، بفعل المعركة الانتخابية في الولايات المتحدة، وانتهاج سياسة تقوم على محاولة الزج بإسرائيل كطرف أساسي في مخططات التسوية المقبلة للنزاع السوري، وفي بازار الدول المطالبة بحصة من الكعكعة السورية، يوجه رسالة واضحة لبشار الأسد وحلفائه، إنهم وحدهم القادرون على تأمين استمراريته في الحكم إلى ما لا نهاية، إذا ما أعلن صراحة تخليه عن الجولان السوري المحتل، كما أعلن أبوه (حافظ) عام 1967 الانسحاب التكتيكي العشوائي للجيش السوري من الهضبة من دون أن يطلق رصاصة واحدة، ليقفز بعدها إلى سدة الحكم برضا أميركي وروسي، ومباركة إسرائيلية!