الأونصة تتخطّى الـ1800 دولار وثروة معدننا الأصفر تتعزّز
إذا كان مركز لبنان يتعزّز أكثر فأكثر على لائحة الدول الأكثر فساداً وفقراً وتلوثاً واحتواءً للبطالة…، وتمّ إدراجه ضمن الدول المتخلّفة عن سداد ديونها وخفض تصنيفه الى مستويات متدنية جداً، فإن مركزاً متقدّماً ايجابياً وحيداً لا يزال يحافظ عليه بعين الثقة، هو تصنيفه بين الدول العشرين الأوائل في احتياطي الذهب. فما هي الإفادة التي يمكن أن تعود عليه من تلك الثروة التي حافظ عليها على مرّ السنوات الماضية، بعد تصديرها الى الخارج؟
سقط الإعتقاد السائد أن لبنان قادر على بيع الذهب في عزّ ازمته المالية، وسقط الإيحاء أنه ضمانة للدين اللبناني. فالذهب كما يقول الخبراء يعتبر الضمانة لليرة الوطنية التي فقدت قيمتها، وحتى تلك المقولة لم تعد تصحّ طالما أنه بعيد المنال ويصعب المساس به. وفي ظلّ وجود قانون يمنع التصرف بالموجودات الذهبية التابعة لمصرف لبنان، ألا يوجد سبيل لاستثماره طالما أن قيمته ترتفع يوماً بعد يوم مع تخطّي سعر اونصة الذهب الـ1800 دولار أميركي؟
البيع ممنوع
عن ذلك يقول نائب حاكم مصرف لبنان السابق محمد البعاصيري لـ”نداء الوطن” أن “الذهب لا يمكن المسّ به اليوم إنما يجدر البحث في كيفية الإفادة منه في مرحلة لاحقة، بعد اجتراح الحلول لأزمتنا والخروج منها”. معتبراً أنه “كل ما تبقّى للبنان في عين الثقة”. فالقانون رقم 42 الصادر عام 1986 يمنع بيع الموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان إلّا من خلال نصّ تشريعي يصدر عن مجلس النواب، الأمر الذي أدى الى محافظة لبنان خلال العقود الماضية على كميات هامة من احتياطي الذهب تقدّر بنحو 286.6 طناً أو 10.116.572 أونصة بقيمة تتراوح بين 17 و 18 مليار دولار (وفقاً لسعر أونصة الذهب في السوق)، وهي موجودة في لبنان والبنك الإحتياطي الأميركي في نيويورك.
من هنا يشدّد البعاصيري على أن “احتياطي ذهب مصرف لبنان يعوّل عليه اليوم بعد حلّ أزمتنا تماماً كما مسألة تحرير العملة الوطنية التي لا يمكن إطلاق العنان لها اليوم”، لافتاً الى أنه “عندها استخدامه يجب أن يكون في نطاق ضيّق”.
وحول ذلك، في ظل اقتراح البعض بيعه بهدف سداد الدين العام أو استخدامه لضمانة إصدار سندات دين، يوضح أنه “ضدّ بيع الذهب ولا يحبّذ استعماله كضمانة لإصدار سندات، بل يمكن الإفادة منه مع الإحتفاظ بملكيته، من خلال ما يسمى الـlease أي الإيجار”.
ويرى أن هذا الأمر يحصل “عبر تأجيره لأحد المصارف المركزية العالمية مع احتفاظ الدولة اللبنانية بملكيته”. فعلى سبيل المثال يؤجّر الذهب الى المصرف المركزي البريطاني بهدف تكبير الأخير ميزانيته، وهكذا. تماماً كما الأرض التي يملكها مواطن ولا يستفيد منها زراعياً، فيسلّمها لأحد ليضمنها مع الإحتفاظ بملكيتها مقابل حصوله على قسم من المحصول عند موعد الحصاد”.
يحتلّ لبنان المرتبة الثانية في احتياطي ذهب الدول العربية
رحلة تجميع الذهب
وبالعودة الى رحلة تجميع الذهب في مصرف لبنان، بدأ ذلك بعد سنوات قليلة من نيل لبنان استقلاله في العام 1943، واستمر حتى العام 1971، بعد قرار “صدمة نيكسون” الذي اتخذته الولايات المتحدة الأميركية الذي فكّ ارتباط كلّ العملات العالمية بالذهب، وفرض الدولار بديلاً للذهب كاحتياطي يغطّي قيمة العملات الأخرى. ومع اندلاع الحرب الأهلية في العام 1975 أرسل لبنان إلى ولاية كنتاكي الأميركية جزءاً من احتياطي الذهب لحمايته، على غرار دول أخرى، وهو لا يزال هناك لغاية اليوم، ولم تحاول الدولة استعادته طوال السنوات الماضية ولا يمكنها ذلك إلا من خلال صدور قانون. مقابل تلك النظرية سبق أن رأى بعض الخبراء أنه في ظلّ استشراس أزمتنا المالية والإقتصادية والنقدية، يمكن بيع قسم من الذهب ضمن برنامج متكامل لإيفاء الدين العام، إذ أنه لم يعد يصحّ الحديث عن احتياطي الذهب كأمر مقدس، وآن الأوان للاستفادة من قسم منه، ولو كان صغيراً”.
أسباب زيادة الأسعار
أما بالنسبة الى الأسباب التي تكمن وراء زيادة أسعار المعدن الأصفر، فإن ذلك يعتمد على عدد من العوامل، فقرارات المصارف المركزية العالمية بشأن أسعار الفائدة والتضخم يؤثّران على أسعار المعادن الثمينة التي تصبح أكثر تكلفة. وينطبق الأمر نفسه على أسعار الصرف، ما يعني أن ضعف الدولار سيؤدي إلى ارتفاع سعر الذهب ايضاً.
وتبرز عوامل أخرى وراء تألق الذهب وهي، العرض والطلب على هذا المعدن، حيث تعدّ زيادة صعوبة تعدين الذهب مع مرور الوقت من أحد أسباب ارتفاع الأسعار على المدى الطويل.
وسيؤثر كل ما سبق ذكره على المستثمرين الراغبين في شراء أو بيع العقود الآجلة للذهب أو صناديق المؤشرات المتداولة التي تتداول مؤشرات السلع التي تشمل المعادن الثمينة، كما يمثل مستوى عدم اليقين بشأن مستقبل الاقتصاد جراء التهديد باندلاع الحروب في المنطقة أمراً مهماً أيضاً، حيث يعتبر الذهب ملاذاً آمناً في الأوقات العصيبة.
يبقى ذهب لبنان اليوم نوعاً من المظلة التي كانت توحي للمواطن بالأمان وراحة البال، رغم اشتداد العواصف، خصوصاً وأن أسعار اليوم في أفضل أحوالها، مع الضيقة المالية التي تطاول دولاً عدّة جرّاء جائحة كورونا.