Site icon IMLebanon

الذهب يحتلّ قائمة الصادرات وسويسرا وجهة “التسييل” الفضلى للمخزون التجاري

 

إختلال الميزان التجاري مستمرّ رغم انخفاض العجز

 

البناء الإيجابي على انخفاض العجز في الميزان التجاري في ثاني أعوام الأزمة، قوّضه التراجع الكبير في الناتج المحلي. والاستفادة المنتظرة من تراجع الواردات بمقدار 7.8 مليارات دولار، أجهضها استمرار الطلب المرتفع على المواد الغذائية، وتسجيل ميزان المدفوعات عجزاً يفوق 10.5 مليارات دولار، فـ”راح صالح” الأزمة الإقتصادية الوحيد “بعزا طالح” الإصلاحات الجدية والعمل الفوري على وقف الإنهيار.

 

سجل الميزان التجاري في الأشهر الـ11 الأولى من العام 2020 بحسب التقرير نصف الشهري لبنك بيبلوس تراجعاً بنسبة 53 في المئة. فانخفض العجز إلى 6.9 مليارات دولار بعدما كان قد وصل في الفترة نفسها من العام 2019 إلى 14.5 ملياراً. هذا التدني الكبير الذي قاده تراجع الواردات بنسبة 43.7 في المئة، لم تنتج منه الإيجابيات المرجوّة. فنسبة العجز في الميزان التجاري إلى الناتج المحلي ارتفعت في العام 2020 بشكل كبير بدل انخفاضها. وقد وصلت هذه النسبة في العام الماضي إلى 38.3 في المئة قياساً إلى ناتج بحجم 18 مليار دولار، في حين لم تتجاوز 25.8 في المئة للفترة نفسها من العام 2019 قياساً إلى ناتج مقدّر بـ56 ملياراً.

تشوّه الميزان التجاري

 

التشوّه في الميزان التجاري انسحب أيضاً على نوعية الواردات، وتراجع الصادرات وتركزها ظرفياً على المجوهرات والأحجار الكريمة والذهب باتجاه دولة وحيدة. ففي الوقت الذي انخفض فيه الطلب بشكل قياسي على واردات الماكينات والأدوات الكهربائية بنسبة 47.8 في المئة، وعلى المواد الغذائية المصنعة بنسبة 40.1 في المئة، وعلى السيارات بنسبة 64.2 في المئة، والحديد والمنتجات المعدنية بنسبة 59 في المئة، لم تتراجع واردات الزيوت والوقود إلا بنسبة 28.7 في المئة. حيث انخفضت قيمة واردات المشتقات النفطية المستوردة من 3.1 مليارات دولار إلى 2.9 مليار فقط رغم التعطل الكبير في الإقتصاد. وهذا ما يدل تلقائياً على وجود عمليات تهريب إلى سوريا بكميات كبيرة. وقد سُجل استيراد لبنان 7.7 ملايين طن من الوقود والزيوت مقارنة مع 11.7 مليون طن في الفترة نفسها من العام 2019. أما المقياس الأبرز فكان محافظة واردات المواد غير الهيدروكربونية على النسبة الأكبر من الواردات، مسجلة 7.2 مليارات دولار من أصل مجموع 10.1 مليارات.

 

 

 

هذا الإرتفاع يعود، بحسب عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي وعضو الهيئة التنفيذية لنقابة تجمع مزارعي الجنوب عمران فخري، إلى “غياب الدولة عن دعم القطاعات المنتجة في الزراعة والصناعة الغذائية التي تشكل بديلاً عن الإستيراد”. فالازمة وانهيار سعر الصرف حفزا المزارعين على الإنتاج والاعتماد على القدرات المحلية لتأمين الطلب الداخلي، “لكنهم اصطدموا بإهمال المسؤولين وعدم بلورة أي خطة جدية لدعم استيراد المواد الأولية للقطاعات الإنتاجية بالشكل الذي يسمح لها بالتطور والنمو”، يقول فخري. “ذلك مقابل استمرار دعم مختلف السلع والمواد الغذائية الجاهزة من الخارج، الذي استنزف ما تبقى من احتياطي عملات أجنبية في مصرف لبنان”.

 

الخلاص بدعم الإنتاج وليس الإستهلاك

 

صحيح أن دعم المواد الأولية للزراعة والصناعة وتطوير البحوث العلمية، والمساعدة على إنشاء مختبرات تأصيل البذار وصناعة الأسمدة والمواد الكيماوية… قد تكون مكلفة في البداية. إلا ان “هذه التكلفة تبدأ في التراجع تدريجياً في السنوات اللاحقة مع ارتفاع الإنتاج وانخفاض فاتورة السلع المستوردة”، من وجهة نظر فخري، “الأمر الذي يؤمن نوعاً من الإكتفاء الذاتي والأمن الغذائي”. إلا ان الآمال بالتغيير نحو الأفضل تضمحل يوماً بعد آخر، بـ”النظر إلى الفشل الذريع في معالجة الأزمة واستمرار المعنيين في البحث عن مغانم وحصص يتقاسمونها بعيداً من الإنهيار ووجع المواطنين”. وعليه فان فاتورة الاستيراد ستبقى مرتفعة خلال الأعوام القادمة، وسيبقى تمويلها من أموال المودعين والإحتياطي والذهب مستمراً حتى نفادها جميعاً. وذلك مع العلم أن خطة “ماكينزي” لتطوير الاقتصاد كانت قد ركزت على أهمية تطور الإنتاج الزراعي. و”أعطت هذا القطاع إمكانية المساهمة بنسبة 35 في المئة من الناتج المحلي في حال تنفيذ الإصلاحات”، يقول فخري. “فتطوير زراعة القنب الهندي (الحشيشة) مثلاً بامكانها أن تؤمن مليار دولار من العملة الصعبة سنوياً، هذا عدا عن المردود المرتفع لبقية الزراعات التصديرية”.

 

سويسرا تستقطب ذهب لبنان

 

اللافت في تشريح الميزان التجاري للعام الماضي احتلال المجوهرات والمعادن النفيسة رأس لائحة الصادرات بمبلغ وصل إلى 1.3 مليار دولار من أصل 3.2 مليارات، تمثل مجموع الصادرات، وبنسبة تجاوزت 40.6 في المئة. وقد احتلت سويسرا قائمة الدول المُصدر اليها بمجموع 1.026 مليار دولار. الإستنتاج الطبيعي بان أغلبية صادرات المعادن النفيسة قد توجهت إلى سويسرا، يعود بحسب الخبراء إلى ثلاثة إفتراضات. الأول، هو أن الغاية لم تقتصر على تصدير المجوهرات المشغولة نتيجة زيادة الطلب في الخارج، إنما على إمكانية إخراج المودعين ما يملكون من ذهب يحتفظون به في القطاع المصرفي على شكل حلي ومجوهرات أو سبائك وليرات إلى الجهة الأكثر أماناً. خصوصاً بعد فقدان الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني، والخوف من عملية احتجاز جديدة تطال المعادن النفيسة بعدما قضت على الودائع. الثاني، يتعلق بعمليات إخراج كبيرة لمخزون الذهب عند التجار والجوهرجية خوفاً من التطورات الإقتصادية والامنية. أما ثالث الإفتراضات فهو إرسال “الذهب الكسر” إلى سويسرا من أجل الحصول على “الشيشنجى”، أو ما يعرف بـ”الشيشنة” أي فحص الذهب وتحديد عياره، ومن ثم اعادة بيعه بالدولار.

 

العمق العربي

 

الظاهر في تقرير الميزان التجاري أيضاً، احتلال كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية المرتبتين الثانية والثالثة على التوالي على قائمة الدول المُصدر اليها. الأمر الذي يؤشر، بحسب رئيس لجنة الإقتصاد في غرفة تجارة وصناعة وزراعة زحلة والبقاع طوني طعمة، إلى “أهمية العمق العربي عموماً، والخليجي خصوصاً بالنسبة إلى لبنان. فعدا عن أن دول الخليج العربي وفي مقدمها الإمارات والسعودية تستقطب مئات الآلاف من الشباب اللبناني الذي يعمل في مختلف المجالات والإختصاصات، فهي تشكل المتنفس الأساسي للصادرات الزارعية والصناعية. حيث ان حوالى 90 في المئة من الإنتاج الزارعي ونحو 50 في المئة من الإنتاج الصناعي اللبناني، يصدران إلى الدول العربية، وفي مقدمها: الإمارات والسعودية والكويت والبحرين وقطر وسلطنة عمان. وعدا عن أننا بلد عربي في الهوية فان “الهوى الإقتصادي العربي يمثل أهمية كبرى للبنان في تشغيل أبنائه، واستيراد بضائعه، والإستثمار في ربوعه، والوقوف الى جانبه في كل المحطات، ومساعدته مالياً من خلال القروض والمنح والودائع المصرفية”، يقول طعمة. ومن الأهمية بمكان “المحافظة على هذه العلاقة وتقويتها، وليس إضعافها بالخلافات السياسية والاصطفاف في محور الممانعة الذي يؤذي لبنان واللبنانيين ولا يفيدهم”.

 

ترْك الإقتصاد ليضبط نفسه بنفسه من دون أي تدخل جدّي منذ بداية الأزمة أثبت فشله. فتحملت الفئات الضعيفة أكثر من طاقتها، وانهكت القطاعات الإنتاجية واستنزفت الودائع المصرفية ولم يُشفَ الإقتصاد. والأسوأ انه لم تتم الإستفادة من مختلف المؤشرات الإيجابية التي نتجت عن الأزمة، ومنها: تراجع العجز في الميزان التجاري.