IMLebanon

الذهب أم البيتكوين؟

 

هنالك قلق عالمي اليوم بشأن الأسواق والعملات والمخاطر. بين الأسباب التي وترت الأسواق مؤخرا هو الهجوم الالكتروني والرقمي على امدادات النفط في الولايات المتحدة من تكساس الى الجانب الشرقي مما سبب وقف الضخ وتعثر الأسواق وعودة الصفوف الى محطات الوقود. أسباب الهجوم على ما يظهر هي مالية وليست أمنية، لكنها تشير الى التقنيات التي يملكها المهاجمون والمعتدون ضد دولة قوية أساسية تنعم بكافة الامكانات.

المهم ماليا أن المستثمرين اليوم يتصرفون عموما بشكل مناقض للمنطق فيما يخص الاستثمارات. الاستثمار هو نشاط طويل الأمد، أي تحفظ الأصول لمدة طويلة ويمكن أن تخسر أو تربح. مستثمر اليوم يرغب في الربح السريع دون النظر بدقة الى المخاطر، وبالتالي يمكن أن تكون الخسارات موجعة جدا. عالميا، الأسواق المالية تزداد تعقيدا يوما بعد يوم بسبب القوانين والأدوات والرقابة كما بسبب الفساد وهجوم الفاسدين للربح على حساب المستثمرين العاديين الأبرياء الذين يجهلون أحيانا قواعد السوق. القواعد الاقتصادية العامة المدرسة في كل الكتب والجامعات ما زالت جيدة، لكن التهور والجشع يدفعان الى تجاهلها.

بسبب الكورونا والأوضاع المتشنجة المختلفة من سياسية واقتصادية واجتماعية، هنالك رغبة عند المواطنين بالاستثمار لغاية الربح السريع وتحسين وضعهم المعيشي. الفرص الواضحة الشفافة ليست كبيرة، اذ ما هو متوافر يمكن أن يكون خطرا وبالتالي على المستثمر أن يكون عالما بامكانيات الربح والخسارة تبعا لخصائص الاستثمارات وموقعها وشروطها وأسواقها. من أهم الأدوات التي يتطلع اليها المواطن هي الذهب والعملات الجديدة وفي طليعتها البيتكوين الذي يشغل بال العالم. الذهب معروف عالميا وتاريخيا انه للحماية أي لتخفيف مخاطر الاستثمارات. أما البيتكوين فهو على العكس يزيد المخاطر كما الأرباح لأنه عموما يرتفع وينخفض مع الأسواق، على عكس الذهب. من يشتري البيتكوين له مطالب مختلفة ويرغب بالمخاطرة والربح على عكس المستثمر بالذهب الذي يريد الحماية أي مخاطر أقل وعوائد أقل أيضا.

هنالك عدم ثقة شعبية تجاه القرارات الحكومية على مختلف المستويات بالرغم من بعض السياسات الصائبة التي تحققت. في 11/9/2001 بعد الهجوم على نيويورك، أصدر المصرف المركزي بيانا موجزا قال فيه أن المصرف مفتوح ويعمل وكل وسائل التمويل متوافرة، فهدأت الأسواق وبعد أيام خفضت الفوائد الأساسية 0.5% لتنشيط الاقتصاد. ضعف الثقة وربما غيابها أحيانا يطال الدول الأساسية لأن المواطن قلق ولأن القرارات المتخذة لم تكن في مصلحة المواطن العادي. ما جرى في السنوات السابقة في الشوارع الأوروبية والأميركية هو دليل كبير على التحديات الاجتماعية والسكانية الكبيرة التي تواجه المواطنين.

هل ما زال الذهب الملجأ الآمن؟ ضعفت شعبيته عندما ارتفعت أسعاره الى ما يفوق الـ2000 دولار في منتصف 2020 لكن يعود اليوم الى الواجهة. هنالك عاملان يصبان لصالح الذهب كأداة استثمار وهما التضخم وتقلبات الأسواق. لا شك أن مظاهر التضخم قوية بسبب كل الدعم المالي والنقدي الذي تقوم به الدول وخاصة الولايات المتحدة. هنالك خوف كبير من عودة التضخم الى الأسواق العالمية وهذا ما يشير اليه الاقتصادي «لاري سامرز». مستشارو الرئيس بايدن يقولون أن التضخم سيكون خفيفا وسيزول مع عودة النمو القوي وزيادة حجم الاقتصاد بسبب الضخ المالي والنقدي. في كل حال امكانيات التضخم كبيرة وبالتالي الاستثمار في الذهب يمكن أن يكون في محله.

أما تقلبات الأسواق فهي موجودة بسبب الخوف من المستقبل والكورونا وضعف السياسات الاجتماعية كما بسبب تخبط الادارات العامة في الدول الكبيرة. من هذه الناحية أيضا الاستثمار في الذهب يمكن أن يكون في محله. هنالك عامل مهم لا يصب لصالح الذهب وهو الطلب على المجوهرات الذهبية نتيجة الحالة الكورونية الهندية تحديدا والأسيوية عموما، اذ تشكل هذه المجتمعات الأسواق الأهم لهذا المعدن. اذا كنت ترغب في شراء الأصول والحفاظ عليها على المدى الطويل، يكون الذهب الاستثمار المنطقي الجيد. معظم خبراء الأسواق ينصحون بادخال الذهب الى المحافظ الاستثمارية الخاصة بنسب لا تقل عن 10% وهذا منطقي وعاقل.

اقترح نقد البيتكوين من قبل «ساتوشي ناكاموتو» في مذكرة أصدرها في 2008، شهر واحد بعد افلاس مصرف «ليمان برازرز» أي مع الأزمة المالية العالمية وبسببها وأصبح متداولا في 3/1/2009. «الركود الكبير» في 2008/2009 ضرب ثقة المستثمرين بالنقد، كل النقد وبالمصارف كل المصارف كما بالمصارف المركزية وفرض على العالم النظر الى بدائل تسمح للمواطن بالتبادل النقدي بعيدا عن الحكومات والاجراءات والرقابات. يحقق البيتكوين اهتماما شعبيا كبيرا ساهم به «الون ماسك» صاحب شركة «تسلا» المصنعة للسيارات الكهربائية. استثمر ماسك نحو مليار يورو في النقد الجديد وسمح للمستثمرين بشراء سياراته بالبيتكوين. ارتفع سعر البيتكوين الى حدود عالية لكن المخاطر الكبيرة التي تترافق مع النقد الجديد أعادت السعر الى الوراء، وها هو ماسك يوقف فرص شراء السيارة بالبيتكوين. هذا لا شك حدد من فرص وصول البيتكوين الى مرتبة عالية أي الى مستوى نقد عالمي جامع. لم يخسر البيتكوين امكانية أن يكون له دور ضمن النظام الحالي، لكن ليس بديلا عنه كما أراد ساتوشي.

نشأ البيتكوين ضمن النظريات الليبيرالية القديمة أي ضمن ما كتبه الاقتصاديان «هاييك» و«أين راند» لهدف اضعاف القطاع العام وايجاد بدائل عنه في كل القطاعات بما فيها النقد. مع البيتكوين، لا حاجة للمصارف، لا حاجة للرقابة المصرفية، لا حاجة لأسعار الصرف ولا للعمولات المختلفة. عالم نظيف بسيط حر غير معقد يخدم المواطن مباشرة. انشأت البيتكوين لتكون عملة الشعب تتداول عبر الأنترنت وما أجملها وأسهلها. خلق النظام ليصدر 21 مليون وحدة نقدية حتى عام 2040، علما أن هنالك في التداول نحو 18.6 مليون وحدة. نعلم اليوم أن البيتكوين لم يعد نقد الشعب بسبب سوء توزعه بين المستثمرين وبسبب تكلفة التبادل المرتفعة. تشير الاحصائيات الى أن 2500 حساب يملكون 40% من مجموع البيتكوين المتوافر مما يجعل السوق في غاية الخطورة وتحت سيطرة مجموعة قليلة من المستثمرين.

ماذا يقول المنطق؟ الوعي مطلوب ولا سحر في الاقتصاد. تنويع الاستثمارات يفيد دائما والمجالات المتوافرة كبيرة وواسعة من النقد الى المعادن والأسهم كما السندات وغيرها. لا بد للمستثمر من مقارنة المخاطر بالعائد لكل أداة، والاختيار تبعا للرغبة في مواجهة التقلبات كما تبعا للامكانات المالية الموجودة. من يريد الحماية من مخاطر الأسواق يختار الذهب ومن المتوقع مع التشنجات العالمية الحالية أن يكون صائبا.