في آب الماضي، بلغ معدّل سعر أونصة الذهب في السوق العالمية نحو 1810 دولارات. وفي آذار بلغ سعر الأونصة أعلى مستوى له مسجلاً 2044 دولاراً، لتبدأ رحلة الانخفاض نحو 1713 دولاراً أمس. الارتفاع كان عمودياً (7 أشهر) ومتلازماً مع تطوّرات اقتصادية وعسكرية دولية، سواء لجهة التضخّم الذي اجتاح العالم، أو الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في نهاية شباط من السنة الجارية. ورحلة الانخفاض كانت عمودية أيضاً (5 أشهر) وتلازمت مع تدخّل المصارف المركزية حول العالم لكبح تضخّم الأسعار وتسارعه في سياق تعزيز القوّة الشرائية للدولار بشكل أساسي، ما انعكس أيضاً انخفاضاً في سعرَي النفط والذهب.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره
في ظل هذا السياق، لو استثمر أيّ شخص حول العالم في الذهب من دون أي رغبة أو نيّة في تنفيذ عمليات مضاربة سريعة الوتيرة، فإنه سيكون قادراً على استعادة نحو 95% من كمية الأموال التي استثمرها في السنة الأولى. ولو أنه قصد المضاربة والمتاجرة، وكانت لديه مصادر المعلومات والقدرة التحليلية على قراءة الأرقام ومطابقتها مع المؤشرات والمسار السعري لهذا المعدن، فكانت لديه فرصة في تحقيق بعض الأرباح ضمن فترة 7 آب 2021 – 3 تموز 2022. وهذه الأرباح لم تُحسم منها كلفة العمليات والعمولات ولا التضخّم الذي قَضَمَ القدرة الشرائية للأموال المستثمرة. بهذا المعنى، الذهب لم يقدّم الحماية من تضخّم الأسعار. فهذا المعدن، مثله مثل كل السلع التي يمكن اعتبارها مرجعية ومطروحة للتداول في البورصات الدولية، لديه سعر يتأثر بالتطوّرات الجارية، وقابل للتقلّبات السريعة أيضاً.
رغم ذلك، يحمل الذهب صيتاً أقوى من مفعوله. فهو المعدن الذي كان على أساسه يتم تسعير الدولار في مرحلة ما قبل السبعينيات، ومقابل هذا المعدن جرى تثبيت كل العملات حول العالم في تلك المرحلة أيضاً. لكن بعد ذلك، انفكّ الذهب عن الدولار ليتم ربط هذا الأخير بالنفط. أما اليوم، فلم يبق من الذهب سوى «فولكلور» السجلّ التاريخي؛ إذ إنه لا يحفظ القيمة أكثر من الدولار نفسه، أي أن الحفاظ على الثروة لا يكون من خلال امتلاك الذهب، وإنما يمكن اعتباره أداة تُستخدم من أجل تنويع مخاطر حفظ الثروة. والاحتفاظ بالذهب يعني صعوبة الحصول على السيولة، أي أن من الأفضل أن يكون الاستثمار في الذهب ضمن المدى الطويل وليس المتوسط أو القصير. وبشكل مماثل أيضاً، قد يكون الاستثمار في سندات الخزينة الأميركية أكثر أماناً من الذهب نظراً إلى قيمتها الفعلية وسهولة تسييلها. أما على المدى الطويل، فإنه في السنوات العشر الأولى (2002 – 2011) قفز سعر أونصة الذهب من 349 دولاراً إلى 1837 دولاراً، أي بزيادة نسبتها 426%. وفي السنوات العشر الأخيرة (2011 – لغاية 27 تموز 2022)، فإن سعر الذهب لم يزدد إلا بنسبة 6.5%.
في الواقع، ليس مفهوماً كل هذا التهافت على الذهب، ولا سيما في لبنان حيث يباع بالدولار النقدي. فمشكلة تخزين الدولارات مماثلة لمشكلة تخزين الذهب وكلاهما عرضة للسرقة، وللدولارات أفضلية لو رغب حاملها في الحصول على سيولة فورية، بينما للذهب أفضلية في حال الادخار على المدى الطويل من دون أي ضمانة بتحقيق أرباح مستقبلية واسعة أو بتغطية التضخّم في الأسعار. وكل هذا الكلام مرتبط أيضاً بعناصر أقلّ تأثيراً في السعر؛ من أبرزها نوعية الذهب وعياره وشكله. فإذا كان عبارة عن سبائك، يكون الأمر مختلفاً عن الذهب المصنّع الذي يفقد بعضاً من قيمته عند إعادة بيعه.
من ملف : تهافت على الذهب: ربح غير مضمون