مصر تشكل نصف العالم العربي من حيث عدد السكان، ومن يوم خروجها من المعادلة اختل التوازن العربي عموماً، وقد ازداد اختلالاً بوفاة حافظ الأسد ومرض الملك فهد بن عبدالعزيز (كما ذكرنا أمس).
شعر الملك سلمان بن عبدالعزيز بأنّ العالم العربي سيبقى ضعيفاً إذا لم يستعد مصر، فبادر الى تقديم مساعدة عاجلة اليها، وكذلك فإنّ دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت لم تكونا أقل رغبة في مساعدة مصر مع اقتناعهما أيضاً بأنّ العالم العربي لن يستقر إلاّ بعودة مصر الى دورها.
المؤتمر الاقتصادي الذي عقد قبل أيام في شرم الشيخ الذي تحدث فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي عن احتياجات مصر، مشيراً الى حاجتها الى ما بين 200 و300 مليار دولار، الخطوة الأولى 12.5 ملياراً قدمتها الدول الخليجية الثلاث وسلطنة عُمان.
وامس عقدت الإمارات اتفاقاً مع مصر لتبني عاصمة ثانية بقدرة استيعاب 7 ملايين ساكن وتضم السفارات والفنادق إضافة الى مراكز الدولة كلها، وكلفة المشروع 45 مليار دولار، وكلفت أبوظبي شركة «إعمار» الظبيانية تنفيذ هذا المشروع الضخم.
اذن نستطيع أن نقول باختصار إنها خطوة متقدمة على الصعيد الاقتصادي، ولكن هذا غير كافٍ، فالمطلوب خطوتان:
العدالة الاجتماعية، وهنا لنتذكر أنّ مَن نقل مصر من النظام الملكي المطلق الى نظام العدالة الاجتماعية كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
وخطوة ثانية تضاف مع سابقتها الى خطوة إقامة العاصمة الثانية هي عودة مصر الى دور الريادة، وهنا يفترض أن يكون الرئيس السيسي زعيماً بكامل المواصفات على مثال عبدالناصر، وهذا يحتاج الى قرارات تاريخية.
ونكرّر: إنّ الخطوات الاقتصادية إذا لم تلاقها الخطوات الأمنية والقرارات السياسية ستبقى ناقصة وربّـما في مهب الريح.
ولفتني بالنسبة الى النقطة الأخيرة أنّ السيسي يؤثر العمل الجماعي، من هنا أفهم كلامه عن القوة العسكرية المشتركة، وهذا اقتراح نؤيّده ولكننا نود أن نلفت عناية القيادة المصرية الى أنّه منذ تأسيس الجامعة العربية أواسط الاربعينات من القرن الماضي هناك تعاون عربي يبقى منقوصاً فالقرارات لا تنفّذ عملياً مثل قرار الدفاع العربي المشترك.
والرئيس السيسي الآتي من المؤسسة العسكرية لديه المؤهّلات كلها لاتخاذ القرارات الحاسمة، وهذه القرارات لا يتخذها إلاّ الكبار الكبار أمثال جمال عبدالناصر.
لن ترتاح مصر ما بقيت ليبيا تغلي جراء الإرهابيين والفلتان الأمني وغياب الدولة.
لذلك، وانطلاقاً من مصلحة مصر أولاً ومصلحة ليبيا ثانياً والمصلحة العربية الشاملة نتمنى على الرئيس عبدالفتاح السيسي أن يأخذ القرار التاريخي.