IMLebanon

نادي الغولف” في الغبيري… آخر مساحات الحرية!  

 

إذا كانت المقولة الرائجة تقول “الداخل مفقود والخارج مولود” فإن الداخل الى نادي الغولف في بيروت مولود والخارج مفقود. فهناك، على تلك المساحة الخضراء، تتنفس الرئتان مجدداً في جغرافيا محيطة مبعثرة، مشتتة، عشوائية. لكن، هل سيُكتب لتلك المساحة البقاء أم يتحقق “الوعد” ويُقفل النادي بقرارٍ بلدي؟

في محاذاة ثكنة هنري شهاب في منطقة الأوزاعي في بيروت مدخل ينقلنا من مكانٍ الى مكان آخر، مختلف تماماً، فيه طيور وأشجار واخضرار وهواء عليل. هنا نادي الغولف اللبناني العريق. عائلاتٌ تتنفس الصعداء. كبار وصغار يتعلمون لعبة “الطبقة النبيلة”. هكذا كانت تسمى لعبة الغولف. نراقب بطل لبنان في لعبة الغولف الشيخ موسى الزين يُعلّم كابتن طيران الميدل إيست عبد الرحمن الحوت اللعبة. نتابع مسارنا في الأرجاء. العشب الأخضر يُشكل سجادات رائعة. نمر الى جانب الموظفة في النادي عواطف بزي التي لا تزال تعمل هنا منذ العام 1973. الموظفون يُشكلون عائلة كبيرة. نمر الى جانب عدنان حمود الذي يعمل في النادي منذ العام 1982 وكان ابن 11 عاماً، كبر وكبرت فيه اللعبة وأصبحت شغفاً وعملاً. شقيقه مصطفى يعمل هنا أيضاً ولن ينسى ذاك اليوم الذي كان يُدرب فيه المحامي إميل دبغي على اللعبة وقصف الطيران الإسرائيلي المحيط. ذكريات وذكريات ووجوه تشي كم مرّت على هذا المكان لحظات جميلة ولحظات مرّة قاسية.

 

هل يصيب الهدف؟

يبدو نادي الغولف من حيث الشكل بخير. لكن، من يجول في النوايا والتحذيرات والمحاولات والتجاذبات الكثيرة التي تدور منذ أعوام حوله، يدرك أن هناك من يدفع في اتجاه اتخاذ تدابير في حقّ النادي الإستثنائي في قلب بيروت. فهل كُتب على كل ما هو جميل في لبنان الزوال أم أن هناك من يعبثون باسمِ الحقّ من طرفي الخلاف؟

 

هو رئيس بلدية الغبيري معن الخليل الذي أعلن في العامين الأخيرين بدل المرة مرات: “سنغلق نادي الغولف”! فهل هذا سهل؟ هل هذا مجد؟ “الريّس” ليس في البلدية. نتصل على هاتفه الخلوي مراراً. نرسل له رسائل. نكرر المحاولات. عبثاً. الريّس يبدو مشغولاً كثيراً. لكن، واستناداً الى الشكاوى التي يرفعها “أن النادي يتهرب من دفع الرسوم البلدية وأن اتحاد بلديات الضاحية مستعد لاستئجار النادي وتخصيصه كفسحة عامة للمنطقة”. فلماذا يتهرّب هذا النادي العريق الذي أسسه سليم علي سلام واستلم رئاسته، في نيسان عام 2019، إبنه كريم سلام بعد خمسة رؤساء هم: المؤسس سليم سلام، نزار سلطاني، جهاد الحسيني، فيصل علم الدين، ورياض مكاوي.

 

قبل أن نسأله يسألنا كريم سلام: هل سبق واتيتم الى نادي الغولف؟ ويستطرد: كم أتمنى لو يتعرف كل اللبنانيين والصحافيين على هذا النادي قبل إصدار أي حكم أو الإنحياز الى أي طرف. فماذا في جعبة الرئيس السادس لنادي الغولف الذي يملك الكثير من الأحلام لكن، منذ وصل، والأحداث في البلاد تكرج نحو الهاوية؟ ولماذا كل هذا اللغط الذي يسري حول هذا النادي المميز؟

 

لا يملك سلام جواباً يشفي حول سبب تشفي البعض من وجود معالم مميزة في البلاد ويقول: “كل الدول تتباهى في إنشاء نوادي غولف لأنه دلالة الى حضارة، وكل البشر يتمنون لو يسكنون الى جانب ملعب غولف أخضر، أما الجواب على سبب تغيّر النظرة الإيجابية الى سلبية عندنا فتجدونه عند الجهة التي تختلف معنا وتهاجمنا”. ينضمّ وكيل النادي المحامي عماد حمدان الى اللقاء ونتابع.

 

فلنلعب دور “المهاجم” ونسأل: لماذا يتهرب نادي الغولف من دفع الرسوم؟

 

يلتقي سلام وحمدان على قول واحد: “نؤمن بوجود دولة ومؤسسات وأن القانون هو الذي يفترض أن يحكم إذا كنا نتهرب أم لا. فلسنا نحن من يحكم بل القضاء. فليحكم إذاً القضاء”.

 

هو حكم أن تسددوا ما عليكم وبعد تجديد العقد عدتم وامتنعتم عن الدفع؟ هذا السؤال يفتح الباب على أجوبة طويلة… يقول المحامي عماد حمدان “هناك أمر لا يعرفه احد وهو سبب وجود نادي الغولف. هو ناد غير مستأجر، يشغل عقارات كانت ملكاً خاصاً واستملكتها الدولة اللبنانية لصالح مديرية الطيران المدني. كان يهم الدولة والطيران معاً إستملاك العقارات المحاذية لمطار بيروت كي لا يُصار الى إقامة منشآت ومبان عالية عليها، وهناك هدف آخر وهو تثبيت التربة. وتمّت حينها الدعوة الى مناقصة لالتزام مشروع تثبيت الأرض وشارك يومها نادي الغولف الذي نال رخصته الرسمية في العام 1923، وموقعه كان الأرض التي أقيم عليها لاحقاً مطار بيروت الدولي. يومها تمّ التزام النادي لهذا الموقع بموجب مناقصة صفر كلفة على الدولة اللبنانية. وبهذا كان النادي، الذي لا يبغي الربح، الوحيد الذي يلتزم مشروعاً للدولة اللبنانية بكلفة صفر. واتفق على تمويل عملية تنفيذ المشروع لصالح الطيران المدني من اشتراكات الأعضاء في لعبة الغولف”.

 

كان هناك في الماضي أربعة نوادي غولف في لبنان. إثنان في الجنوب وثالث في بيروت ورابع في دير عمار. ودفع الى إنشاء هذه الملاعب وجود الإنكليز في مصافي البترول. أما ملعب بيروت فاقتضى وجوده في العاصمة التي شكلت ملتقى جميع الديبلوماسيين. وهذا ما جرى أيضاً في دول الخليج وفي كل بلد عربي وجد فيه أجانب. فلعبة الغولف كانت في البداية غريبة عن العالم العربي. وساعد لبنان في بناء ملاعب الغولف في بلاد كثيرة. ويتذكر كريم سلام يوم تعرف والده سليم الى حاكم إمارة دبي في العام 1986 راشد بن سعيد آل مكتوم وساعده في بناء أول ملعب غولف في الإمارة وهذا ما تكرر في المملكة العربية السعودية والبحرين وقطر”.

 

نعود الى اللحظة، الى المشاكل الحالية التي تحوم في سماء نادي الغولف في لبنان. كلام كثير يسري حالياً عن إختناق سكان الغبيري في منطقة تضم مساحة خضراء واسعة محصورة بالأثرياء. كلام كثير يبدو وكأن “الفقراء” يتشفون به من “الأغنياء”. فهل يجب أن تكون كل منطقة الأوزاعي كما المباني المبعثرة بعشوائية قبيحة؟ هل يجب أن يطاح بالأماكن البيئية الرياضية الحضارية بحجة أن نطاق البلدية ضاق وما عاد يتسع؟ ونسأل مجدداً، هل صحيح أن نادي الغولف يتهرّب من سداد ما يتوجب عليه؟

 

هناك عقد موقع بين الدولة اللبنانية ونادي الغولف. إنه عقد إشغال لصالح الدولة. والنادي يسدد للدولة البدل التصاعدي الذي وضعته في العام 2017 بعدما كان الرسم رمزياً قيمته ألف ومئة ليرة لبنانية فقط لا غير. وهذا الرسم الجديد، بحسب وكيل النادي، فيه كثير من الظلم. فنحن ملتزمون بمشروع يخدم الدولة اللبنانية وواجهنا خلال العقود الماضية كثيراً من الضغوطات. واجهنا المعتدي الإسرائيلي الذي حرق كل الأرض. ولم نسمح لاحقاً لأحد بتشييد أي عقار على غرار كل المخالفات التي جرت في الجوار. ثبتنا التربة. وأبقينا على الوجه الحضاري لهذا النادي”. لكن لماذا قبلوا بتجديد العقد وفق هذا البدل؟ يجيب حمدان: “وافقنا “والجميل لنا” وسددنا ما يتوجب علينا للدولة عن عامي 2018 و2019 لكننا توقفنا عن الدفع لبلدية الغبيري لأننا قدمنا اعتراضاً وننتظر البت فيه”.

 

نادي الغولف كان يتبع بلدية برج البراجنة وفي العام 2016 أصبح في نطاق بلدية الغبيري. ومذاك الحين بدأت المشاكل تحوم. فماذا تريد البلدية بالتحديد؟ وما سبب اعتراض نادي الغولف؟

 

المحامي حمدان يستخدم عبارة “سوء التفاهم” حين يتحدث عن بلدية الغبيري أما كريم سلام فيستخدم عبارة “الإختلاف في وجهات النظر”. وفي التفاصيل، أن البلدية طالبت النادي بدفع رسوم قديمة تبلغ 300 مليون ليرة ودفع النادي يومها هذا المبلغ بموجب اتفاقية رعاها الوزير محمد فنيش ووكيل النادي آنذاك المحامي زياد بارود. ويقول حمدان: “برأيي يفترض ألّا يتفق أحد مع أحد على ضريبة ما لأن أي اتفاق سيكون غير قانوني. فالقانون هو الذي يُحدد الضريبة المفروضة. أضيفي أنني اكتشفت لاحقاً أنه حين دفعنا 300 مليون ليرة كتسوية عن الأعوام السابقة كنا نتبع بلدية برج البراجنة لا بلدية الغبيري. وبالتالي، لم يكن مفروضاً ان ندفع اي قرش الى بلدية الغبيري بل الى برج البراجنة. أرسلنا كتابا نسأل فيه كيف تتقاضون ما ليس لكم حق فيه. في أي حال فقد تمّ تسجيل اتفاقية في محافظة جبل لبنان بين بلديتي برج البراجنة والغبيري تتضمن ان موقع نادي الغولف اصبح بدءاً من العام 2016 يخضع عقارياَ الى الغبيري. وهذا معناه ان هناك من قبض مبلغاً مادياً لا يحق له فيه. وهذا اصل الخلاف”.

 

ما رأي رئيس بلدية برج البراجنة عاطف منصور بما حصل؟ سألناه فأجابنا بالحرف: “لم أكن في ذاك الوقت ولا علم لي بأية معلومات”!

 

بلدية برج البراجنة تريد أن تستوفي 300 مليون ليرة عن 2017 كما فعلت في 2016. ونادي الغولف يقول: نحن دفعنا هذا المبلغ عن الأعوام التي سبقت لا عن 2016 وبالتالي، إذا سلمنا جدلاً أن تخمين رئيس بلدية الغبيري للموقع صحيح، وهو الذي قال إن بلديته مستعدة لاستئجاره بمبلغ مليون دولار، فمعناه أن دفع 7 في المئة ضريبة تكبد 70 ألف دولار. أي مئة مليون ليرة تقريبا. فمن أين أتى بمبلغ 300 مليون ليرة؟ قدمنا اعتراضاً قلنا فيه أن أي اتفاق على تحديد رسم هو باطل قانونياً”.

 

تتكرر في نادي الغولف عبارة: “القانون ما بيزعل حدا”. فهل هذه العبارة صحيحة؟ يتحدث المحامي عن لقاءات ثنائية مع البلدية لكن لم يتوصلوا فيها الى أي اتفاق ويقول: نحن نريد تطبيق القانون. نحن فتحنا حواراً لنضع النقاط على الإختلافات أما تصويبها فلن يكون إلا بالقانون. والقانون “ما بيزعل حدا”.

 

المخالفات في أرجاء بلدية الغبيري كثيرة. الناس يخالفون على وقع الساعة. وهناك أملاك بحرية كثيرة، ومعظمها لا يسدد أي ضريبة ولا أي رسم. وعائدات بلدية الغبيري من الرسوم جد ضئيلة. تُرى ألهذا السبب تضع “رأسها برأس” نادي الغولف؟ يخبر حمدان عن سبب آخر يوجب إبطال التكليف وهو مطالبة البلدية النادي بسداد رسوم العقار رقم 9 وهو ليس تابعاً له. وهذا معناه أن البلدية قد تكون تريد تكبيد مكلفين سداد رسوم مكلفين آخرين. فمن يدري؟ ويستطرد: أحد الأسباب الذي يؤدي الى إبطال تكليف وجود خطأ في رقم التكليف أو إسم المكلف. وهذا ما حصل.

 

البلدية حجزت على النادي والنادي اعترض. إنه يضم، لمن يهمه الأمر، 103 موظفين ومتعاقدين. والعدد يرتفع في المواسم. أما عدد المنتسبين فيبلغ 680 عضواً. والإشتراك السنوي لعائلة من أربعة أفراد 3000 دولار. والدولار معتمد بسعره الرسمي حتى الآن أي 1500 ليرة. والدخول متاح شرط أن يحوز من يريد الدخول بطاقة هوية. أما الدين والمذهب والطائفة والإنتماءات السياسية فلا يعيرها النادي اهتماماً.

 

78 نوعاً من الطيور

 

نجول في الأرجاء. هناك من يتحدث عن إنشاءات يقتضي أن يدفع النادي رسوماً عنها. ثمة مسبح و”كيوسك” وهناك مبنى للطيران المدني. وهناك أيضاً أكثر من 78 نوعاً من الطيور. نراها تغط وتطير بحرية وأكثر من مئة نوع من الأشجار. وفي الجوار، بمحاذاة المناطق السكنية، نرى بعض الأنابيب وجرافة وأرضاً مقلوبة. إتفقت إدارة النادي مع اتحاد بلديات الضاحية على مدّ قساطل لمياه المنطقة المبتذلة من هذا المكان لاستحالة ذلك خارجها. “يبدو هذا المكان هو الوحيد في المنطقة الذي يمكن أن يُشكل نظرة وعبرة ومتنفساً، فليتركوه فسحة جميلة”. تعلق إحداهن.

 

هناك كلام كثير عن موظفين قيل أن النادي طردهم لانتماءات سياسية معينة. فهل هذا صحيح؟ من يعرف كريم سلام، إبن سليم سلام، يعرف أن هذا الإجراء مستحيل. وهو يقول: “نحن لا نسأل أي موظف عن إنتمائه أو دينه، والنادي على علاقة مميزة مع جميع الأحزاب الموجودة في المنطقة وخارجها، ويحاول الإبتعاد عن كل ما قد “يُشيطن” هذا أو ذاك في الملفات الأخرى. يستطرد: حين قررنا الإستغناء عن ستة موظفين، فعلنا هذا بعد أخذ ورد طويلين. فمثل هذه القرارات ليست أبداً سهلة، ورفعنا الى وزارة العمل كل البيانات المالية. فعلنا هذا لأن خسارتنا المتوقعة حتى نهاية 2020 ستزيد عن 350 مليون ليرة. وهذا كان أصعب قرار”.

 

نخرج من نادي الغولف. نراقب اللاعبين وهم يحاولون رمي الكرة نحو حفرتها. نسأل كريم سلام عن أبعاد هذه اللعبة فيجيب: ” بعكس كل الرياضات الأخرى، فعلى اللاعب توجيه أقل عدد من الضربات بين نقطتي الإنطلاق والوصول، وذلك عبر استخدام 14 عصا مختلفة”. تُرى من سيبلغ نقطة الوصول، بملف نادي الغولف، بأقل الضربات الممكنة؟

 

نخرج من هناك بأوكسيجين فائض. نادي الغولف معلَمٌ عمره من عمر لبنان. نادي الغولف أقصدوه تتعرفوا عليه.