Site icon IMLebanon

.. ولّى زمن الوصايات

«سوريا ولبنان عبر التاريخ بلد واحد، وشعب واحد، وهذا الامر يجب أن يدركه الجميع. ولهذا قدمنا السلاح والذخائر، وقررنا أن ندخل تحت عنوان جيش التحرير الفلسطيني، وبدأ هذا الجيش بالدخول الى لبنان، دون أن نأخذ رأي الاحزاب الوطنية ولا غيرها، ولن نأخذ الاذن من أحد». بهذه العبارات اطلق الرئيس حافظ الاسد خطابه على مدرج جامعة دمشق في 20 تموز من العام 1976، مبرّراً اجتياح قواته للبنان.

لم يعترف النظام السوري يوماً باستقلال لبنان، بل لطالما اعتبره جزءاً من سوريا. دلّت على ذلك الممارسات السياسية والامنية التي مارسها بحق لبنان واللبنانيين طيلة 15 عاماً (1990-2005). فعاق تنفيذ اتفاق الطائف، ولم يسمح بتطبيق الا ما يخدم مصالحه ومصالح اتباعه في لبنان في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومنع الحكومات المتعاقبة من تنفيذ معظم برامجها ومشاريعها الاقتصادية والعمرانية، ولعب على التناقضات وغذى الشعور الطائفي والمذهبي بين اللبنانيين، ونكّل بمعارضيه من كل الفئات والطوائف، وسيطر على المجلس النيابي، وشكّل حكومات على مقاسه، ونهب اموال الدولة اللبنانية واللبنانيين، ووصلت الامور الى حد وصف «الغارديان» البريطانية مسؤول الامن والاستطلاع في لبنان بانه حاكم لبنان العسكري. ولما أدرك المحور الايراني السوري الذي بدأ يتبلور ويُعِد للمنطقة مشروعاً للهيمنة عليها، إستحالة تنفيذ هذا المشروع بوجود الرئيس رفيق الحريري الذي يتناقض مشروعه مع النظام الامني، عمد الى اغتياله. عندها جاءت لحظة التحرّر من هذا الاحتلال. انتفض اللبنانيون في 14 شباط 2005، ووصلت الانتفاضة الى ذروتها في 14 اذار من العام نفسه، للمطالبة بانسحاب الجيش السوري من لبنان. ادى استشهاد الحريري الى تشكل حلف لبناني عربي دولي نزع الوكالة من النظام السوري واجبره على سحب قواته. وكان لخروج الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان 2005 تداعيات على النظام نفسه، الذي لطالما رأى في لبنان متنفّسه الوحيد و«خاصرته الرخوة». فتفاقمت اوضاعه السياسية والاجتماعية والاقتصادية تأزّماً، وأدت الى نشوب الثورة في وجهه في 15 اذار من العام 2011.

10 سنوات مضت على سقوط النظام الامني اللبناني السوري وعلى خروج الجيش السوري من لبنان، ليخلفه نظام وصاية سلاح حزب الله ومن خلفه إيران. مارس حزب الله، بقوة الامر الواقع، ممارسات حليفه السوري ايام وصايته على لبنان. فرض واقعاً سياسياً يتماشى مع مصالح «الولى الفقيه»، ضارباً عرض الحائط بالنظام السياسي الذي عمل على تقويضه في كافة الاستحقاقات. انقلب على مقررات الحوارات اللبنانية، وغزا بيروت في 7 ايار 2008 ليفرض معادلات جديدة، ونشر قمصانه السود صبيحة الاستشارات النيابية لتسمية رئيس حكومة في كانون الثاني عام 2011، والتي تأجّلت آنذاك ريثما استطاع نصرالله تأمين، بالقوة، اغلبية نيابية تتيح له تسمية رأس الرئاسة الثالثة، كما قطع رأس الجمهورية بمنعه انتخاب رئيس جديد قبل ان تتضح صورة المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة.

وفي هذا الاطار، يقول عضو كتلة المستقبل النائب جمال الجراح في حديث لـ«المستقبل»، إن «الاحتلال السوري خرج من لبنان وترك وراءه وصاية لا تقل إجراماً وإرهاباً عنه، كما ترك وراءه من اراد ان يستتبع لبنان وشعبه لارادة إيران ومرشدها.»

لكن محاولات الاستتباع هذه وجدت امامها عقبات جدية، يعبر عنها النائب السابق سمير فرنجية، حيث قال لـ«المستقبل»، إن «محاولات حزب الله لإعادة لبنان الى زمن الوصاية، بتعطيله للمؤسسات وبإدخال لبنان في حروب متعددة، لم تعطِ نتائجها المرجوة، وبخاصة ان هذه السياسية وصلت اليوم الى نهايتها مع الوضع القائم في سوريا ومع توسيع حزب الله لجبهاته».

وعن أهمية خروج الجيش السوري من لبنان، يقول فرنجية، «نرى اليوم ماذا فعل هذا الجيش بشعبه، وفي مكان ما كان من الممكن أن يحصل هذا الامر في لبنان. فمن يدمّر بلده فلن يجد صعوبة في تدمير بلد اخر».

واستذكر فرنجية مرحلة ما بعد الخروج السوري من لبنان، عندما «حاولت دمشق ان تلغي مفعول هذا الخروج، بالتعاون مع حزب الله والقوى المؤيدة لها. هذا الامر اخّر انتقال لبنان من وضع الى وضع جديد، لكنه في المقابل لم يُعِد لبنان الى مرحلة ما قبل خروج الجيش السوري».

وختم فرنجية حديثه، باعتقاده ان مسار الامور في المنطقة يوحي بأن حظوظ فريق «14 اذار» ستكون اكبر من حظوظ الفريق الاخر. وعليه، يتوجب على قوى «8 اذار» ان توفر على نفسها وعلى البلد، وان تطوي صفحة العودة الى الوصاية، إيرانية كانت ام سورية، وان تساهم مع جميع اللبنانيين في التأسيس لمرحلة جديدة، من منطلقات وطنية».

صحيح ان لبنان لم ينعم حتى الان بـ«استقلاله الثاني» بشكل تام وناجز، الا أن التاريخ يشهد أن كافة الوصايات التي عرفتها «بلاد الأرز» خلال مسيرتها.. ذهبت كلها وبقي لبنان.