على رغم هدوء عاصفة ردود الفعل على ترشيح النائب سليمان فرنجيه والصدمة التي احدثها هذا الترشيح ربما بسبب اقتراب عطلة الاعياد وبروز مواضيع طارئة الى الواجهة، فان الهدوء الذي طاول هذا الملف قبل ايام والمرجح ان يستمر، افسح وسيفسح المجال امام اتصالات ومساع بعضها معلن وبعضها الاخر او غالبيته بعيد عن الاضواء. هذه المساعي يعمل عليها اهل الداخل كما وجهت بعض الدول المعنية رسائل واضحة في اتجاه الرغبة بتلقف المبادرة ايجابا وعدم اتخاذ مواقف عالية السقوف يصعب العودة عنها وتكون مكلفة جدا. والجزء الاخير من هذه “التمنيات” هو الذي بدا مؤثرا باعتبار ان مواقف الافرقاء المعترضين او المتحفظين على رغم وضوحها وحدتها اكان من جانب التيار الوطني الحر او القوات اللبنانية، لم تقفل الباب او الاحتمالات كليا امام امكان تمتع ترشيح فرنجيه بفرصة جدية فيما تنصب المساعي على عدم اهدار فرصة انتخاب فرنجيه مع جهد ينصب على المساعدة في الحصول على ضمانات او تطمينات من اجل تأمين مخارج سياسية مقبولة للمتحفظين او المعترضين. وفرنجيه نفسه لا يزال متفائلا لانه لم يسمع من احد فيتو عليه. وما رشح عن جلسة الحوار الاخيرة بين تيار المستقبل و”حزب الله” ان ممثلي المستقبل لم يسمعوا سوى ايجابيات في اللقاء مع ممثلي الحزب ولو ان الاخير يستمر محرجا ازاء العماد عون.
وتعطي مصادر ديبلوماسية غربية معنية بالشأن المسيحي مبادرة ترشيح فرنجيه شهرين كحد اقصى للنجاح او للفشل. فهذه المدة المحددة كافية من حيث المبدأ لمحاولات الاقناع والاقتناع باعتبار انها لا يمكن ان تستمر موضوعة على الطاولة كما يستمر “حزب الله” في دعم ترشيح العماد ميشال عون منذ اشهر طويلة على رغم ادراكه بانتهاء فاعلية هذا الترشيح وعدم امكان نجاحه ما ادى تاليا الى تشجيعه فرنجيه على فتح خط حوار مع الرئيس سعد الحريري ولو انه لا يزال يقول لاعتبارات متعددة بانه لا يزال داعما لعون ما دام مرشحا. لكن يخشى على المبادرة من بروز تطورات يمكن ان تعيقها في وقت لاحق. فهل هذه المهلة من وجهة النظر الديبلوماسية الغربية هي تحذير لمن يلزم بوجوب التقاط الفرصة قبل اوانها من اجل انتخاب رئيس او الانتقال الى ترشيح شخصية اخرى ام هو تحذير من اسقاط ترشيح فرنجيه كتعبير عن تسوية تنال منها قوى 8 آذار حصة الاسد؟
الاجابة في الاحتمالين معا اذ ان اصحاب هذا الموقف الديبلوماسي باتوا يبدون انتقادات قاسية جدا حيال مواقف بعض الاقطاب المسيحيين من مبادرة ترشيح فرنجيه انما بعد استيضاحها حقيقة موقف “حزب الله” وما اذا كان ثمة قطبة مخفية تكمن في رفض الجزء الاخر من التسوية اي ترؤس الرئيس الحريري للحكومة ام لا. اذ ان هذه المصادر باتت تسقط كل مبررات التفهم التي كانت تبديها لمواقف الزعماء المسيحيين من الموضوع الرئاسي وتعتبر ان خياراتهم “انتحارية” بعدما تساهلوا لمدة تزيد على سنة ونصف السنة في موضوع الشغور الرئاسي من دون البحث جديا عن مرشح يتم الاتفاق عليه بين المسيحيين قبل مفاتحة الافرقاء الاخرين به. وتتحفظ هذه المصادر على المنطق الذي يتباكى على حقوق المسيحيين فيما يساهم في ترك موقع الرئاسة المسيحية شاغرا لاشهر طويلة من دون اي مبادرة حل كما على المنطق الذي يتحدث عن رفض ترشيح الرئيس الحريري لفرنجيه استنادا الى انه ترشيح من فريق غير مسيحي على المسيحيين. اذ ان رئيس الجمهورية ليس للمسيحيين فحسب انما لكل اللبنانيين ومن المهم ان يشارك كل الافرقاء في اختياره وان الامور تركت للمسيحيين مدة طويلة بحيث لم يعد يجوز الانتظار لكي يحسموا امرهم فكان محتما ان يتدخل الاخرون كما ان اختيار فرنجيه شكل احراجا لانه لم يخرج عن الاطار الذي حدده الاقطاب الموارنة انفسهم لمواصفات الرئيس وفق ما اتفقوا في بكركي. ويبدو ان التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها لبنان تجد صدى كبيرا لدى هذه المصادر باعتبار ان مؤشراتها تنذر الوسط السياسي بضرورة التعاطي مع الامور بجدية من اجل اعادة العمل الى المؤسسات الدستورية. وتعطي مثالا على ذلك شكوى لبنان من الثقل الذي يشكله اللاجئون السوريون على لبنان. وهذا واقع يقر الخارج للبنان بتحمله اكثر من استطاعته لكن ضعف الدولة وعدم وجود اي توافق داخلي لم يسمحا للبنان ان يتعاطى مع هذا الموضوع كما تفعل تركيا او الاردن في ظل خيارات سياسية فردية لافرقاء سياسيين اضافة الى تعنت وشعبوية منذ رفض اقامة مخيمات على الحدود يمكن ضبطها ومراقبتها بحيث يدفع لبنان ثمنها غاليا في موضوع اللاجئين. والشكوى اللبنانية اخيرا من عبارة العودة الطوعية للاجئين والتي اعترض عليها وزير الخارجية كان يمكن ان تجد صدى اكبر في ظل وجود مؤسسات دستورية تعمل وتكون موحدة في الموقف كما في اتخاذ الاجراءات القانونية الطبيعية التي يمكن ان تدفع اللاجئين الى العودة الى بلادهم متى استتب الوضع الامني وعادت سوريا تشهد حالا سلمية.