IMLebanon

استثمارات بديلة جيدة

 

 

في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، يحاول المواطن توظيف ما تبقَّى من أمواله في استثمارات تعطيه عائدا ماليا يستطيع الاستفادة منه.  هنالك اجماع عالمي بأن أسوأ الاستثمارات هو النقد، اذ يفقد قيمته مع الوقت ويمكن أن يُسرق أو يهترئ كما لا يعطي عائدا. في الدول التي عرفت أزمات مصرفية كبيرة وهذا ليس حال لبنان فقط، يخاف المواطن من وضع أي مال في المصارف لغياب الثقة ولأن بعض أمواله تكون عموما محجوزة في المصارف نفسها.  النقد سيىء وغير آمن والمصارف العالمية لا توحي بالثقة كالسابق، فماذا نفعل بما تبقَّى لنا من أموال؟  الاستثمارات الكلاسيكية كالعقارات جيدة وربما يرتفع سعرها، لكن تنويع الاستثمارات يبقى أفضل علما أن أساس قيمة أي عقار هو الموقع Location.  أين تقع الأرض أو الشقة؟ في القرية أو المدينة وأين بالتحديد في كل منهما.

في هذا الزمن حيث يخاف المواطن على أمواله وربما لا يطمئن الى أوضاع بلده السياسية والأمنية، يسعى لايجاد استثمارات بديلة يمكن نقلها بسهولة وتحافظ على سعرها أو أقله لا تنهار. من الأصول التي يمكن نقلها والتي تحافظ على سعرها هي المجوهرات كالذهب أو الألماس أو الفضة وغيرها من المعادن.  هذه استثمارات جيدة، علما أنها لا تحمل عائدا بل يأمل المواطن بأن يرتفع سعرها مع الوقت كما أن وزنها يسمح بنقلها بسهولة من منطقة الى أخرى أو من بلد الى آخر. هنالك ملايين الناس الذين يعيشون في دول منهارة ويرغبون في تركها، وبالتالي هذه الأصول مهمة جدا لهم.  من الأصول الجيدة أيضا هي الساعات التي تنقل بسهولة كما أن المعلومات الأخيرة تشير الى ارتفاع أسعارها لأن الطلب أعلى بكثير من امكانيات الانتاج.  هدف المواطن تنويع الأصول التي يملكها باتجاه ما يسهل أو يمكن نقله.

 

هنالك أسواق قديمة لكنها بدأت تأخذ أهمية كبرى منذ زمن غير بعيد أو واقعا منذ فترة الكورونا أي منذ 2019.  هذه أسواق الفنون بمختلف أنواعها من الرسم الى النحت الى التصوير وغيرها والتي تجذب المستثمرين للحفاظ على أموالهم.  طبعا لا يمكن نقلها بالسهولة التي تنقل بها الساعات مثلا، لكن يمكن الحفاظ عليها علما ان امكانية سقوط السعر أقل بكثير من صعوده لأنها مشغولة من انسان أي في الاقتصاد ما نسميه العرض المحدود الذي يجعل السعر يحدد من قبل الطلب. تتقلب أسواق الفنون كثيرا بسبب السياسة والأزمات العامة من حروب ومواجهات وغيرها كما بسبب الأزمات الاقتصادية والتجارية.  في سنة 2019 مثلا تدنى حجم تجارة الفنون 5% أي بلغ حجمها 64.1 مليار دولار. المعروف عالميا أن أهم أسواق الفنون هي في الولايات المتحدة والصين وبريطانيا. بما أن تحديد سعر لوحة فنية صعب اذ ليست هنالك أسواق واسعة وشفافة، تنتقل ملكيتها عبر المزايدات العلنية التي تقوم بها مؤسسات متخصصة تحوذ عموما على ثقة الفنان كما المواطن.

 

تحديد سعر أي سلعة عادية يتم في الأسواق نتيجة عمليات العرض والطلب.  أما القطع الفنية التي تعكس الأوضاع الثقافية في البلد فلا يمكن مقارنتها بسلع أخرى.  كما أن انخفاض أسعار القطع الفنية له دلالات مختلفة عن السلع العادية.  انخفاض السعر يؤدي عموما الى تشويه صورة الفنان تجاه العالم وخصوصا تجاه زملائه.  هذا الجانب الشخصي للفن مهم جدا ولا نجده في أسواق المعادن والخضار والسيارات وغيرها.  من خصائص أسواق الفنون وجود علاقات طويلة الأمد بين الفنان والجمهور عبر الوسطاء أو مؤسسات المزاد.  هذا يختلف عن بقية الأسواق حيث العارضون وأصحاب الطلب لا يعرفون بعضهم، والسعر هو الذي يقربهم.

يقول الفنانون أنهم ينتجون القطع الفنية ليس للتسويق وانما للتاريخ، ويقول بعضهم أن بيع انتاجهم كمن يبيع أولاده. يستعملون صالات العرض لمعرفة رغبة الناس بها. ما يلفت النظر أن صالات العرض لا تقع عموما في الأسواق الكبيرة أو في منتصف المدن أو في المناطق السياحية المزدحمة بالعالم وبالسيارات، بل تكون في الضواحي أو على جانب المدن. في نفس الوقت، اختيار العارضين في الصالات ليس سهلا وليس مفتوحا للجميع.  أهم المعايير هي عموما الشخصية والفنية وليس التجارية. لا شك أن الفنانين الجيدين ليسوا تجارا لكنهم بحاجة لبيع بعض أعمالهم للاستمرار. لا ننكر أن هنالك فارقا بين الأسواق الأولية أي بين الفنان والمواطن والأسواق الثانوية أي بين المواطنين.  فلكل من السوقين طبيعته وخصائصه المختلفة.  أما الاستثمار في القطع الفنية، فلا يهدف فقط الى الربح وانما يعود الى الرغبة في شراء ورؤية تحف فنية في غاية الجمال أيا كان سعرها.

هنالك أيضا من يجمع القطع الفنية ليس للتجارة وانما للحفاظ عليها وحمايتها ويهدونها في آخر المطاف الى المتاحف.  فالقطع الفنية تحتوي على مزيج من الخصائص الاقتصادية والفنية والأخلاقية وبالتالي صعب جدا توقع تطورها عبر الزمن، لأن هذه الخصائص تكون أحيانا متناقضة.  يختلف التعلق بالفنون في بلد الى آخر، علما أن رؤية الناس الى كل ما هو فن يتغير مع الوقت تبعا لتطور المجتمعات وثقافتها.  معظم الفنون يحتاج الى رعاية الدولة ودعمها.  فالفنانون الذين ينورون المجتمعات يكون بعضهم فقراء خاصة في الاقتصادات الحالية التضخمية.  هنالك فنانون مشهورون يموتون فقراء، وهذا في غاية الظلم خاصة عندما تتفرج الدولة على أوجاعهم ولا تتحرك.  كما المطلوب من المواطنين الميسورين ومن قطاع الأعمال المساهمة في نهضة الفن أي نهضة الثقافة والمجتمع والمواطن.  في الدول المتأخرة لا تعطى الأهمية المطلوبة للثقافة أي للهوية وهذا جهلا أو تقصيرا، لكنه يجب أن ينتهي لأن وزارات الثقافة هي سيادية بامتياز ويجب أن يتسابق عليها الطامحون السياسيون.