IMLebanon

بالتوفيق للخماسية

 

صارت مهمة البرلمانات العربية في إنتخاب رئيس للبلاد، من أصعب المهمات. كان من نتائج الربيع العربي، أن تنقسم البرلمانات العربية على نفسها، فلا تستطيع أن تنتخب رئيسا للبلاد، بسبب الأحزاب التي تتكوّن منها. وبسبب مشايعة هذه الأحزاب لهذة الدولة أو تلك من دول هذا المحور أو ذاك، صارت الأحزاب الداخلية أكثر إلتحاما، وأكثر إرتباطا بالقوى الخارجية، لأنها هي التي صعّدتها، وهي التي تمدّها بالنفوذ وبالمال وبالسلاح. فصارت لهذا، تعبّر عنها أكثر مما تعبّر عن إرادة بلادها. تهتم بها، أكثر مما تهتم بشؤون بلادها. وتحلم بأن تنال رضاها، لا أن تظفر برضا شعبها عنها.

إنتخاب الرئيس في العراق، يحتاج إلى توافق القوى السياسية. وهذه القوى السياسية، تحتاج في الوقت عينه، إلى توافق القوى الخارجية، كذلك الأمر في ليبيا. فإنتخاب رئيس للبلاد، يحتاج إلى معجزة سياسية، بين القوى التي تشكّل الغالبية العظمى من نواب الأمة، والأمر نفسه في اليمن، وإن بدا مختلفا، فهناك إنشقاق سياسي، لا يمكن أن تعود إليه اللحمة، إلّا بإجماع القوى الخارجية، على إعادة اللحمة إلى عموم اليمن، والسير على خطى الإنتخابات، التي تصعد الرئيس. وهذا يحتاج لوقت طويل طويل، لأن الحرب لا تزال تذر قرنها في البلاد، ولا أمل في إجماع دولي، في ظل حرب الدول على اليمن، لأن الإجماع والتوافق، يتطلب ظروف بناء السلم الأهلي، لا ظروف الحرب الأهلية. فكيف إذا كانت الحرب قائمة منذ أمد؟!

 

الأمر نفسه في السودان وفي الصومال وفي تونس وفي سوريا، فلا تزال القوى السياسية هناك تراهن على الإستقواء بالخارج، وهي ترتهن له، حتى تتغيّر ظروف القوى الخارجية.

حزمت الأنظمة العسكرية أمرها، فهي لا تحتاج بعد وصولها إلى السلطة، إلّا لمجرد إستفتاء على الرئيس الأوحد، وعلى القائد الأوحد وعلى الزعيم الأوحد. وغالبا ما تكون النتائج بنسبة (تسع وتسعين)، كما عوّدتنا. ثم تكرّ ولايات الرئيس واحدة بعد الأخرى، ولو لثلث قرن أو نصفه أو ثلثيه، لأن الانتخابات الشعبية للرئيس، تخلّده، لأنها ترجع في الأساس لقوة الرئيس في السلطة، فلا يخرج منها إلّا بإنقلاب جديد، إلّا بإنشقاق جديد، تماما كما كان جاريا منذ زمان بعيد.

 

رئاستان شاغرتان اليوم على المحك: واحدة في ليبيا والأخرى في لبنان. قتل الشغور الناس منذ وقت طويل، وصار إنتخاب الرئيس فيهما، أشبه بالمعجزة، نتيجة إفتراق القوى السياسية المحلية عن بعضها، عموديا. ففي ليبيا، تحتاج الإنتخابات الرئاسية، لتدخّل الأمم المتحدة. ولهذا أرسلت موفدا بهذا الخصوص، يجمع القوى المحلية، ويشجّعها على التوافق. وهو لا يزال يخوض غمار هذه المهمة بشكل حثيث، ونحن ندعو له بالتوفيق.

أما في لبنان، فقد تشكّلت اللجنة الخماسية، من الدول الخمس، التي لها باع طولى في البلاد: (المملكة العربية السعودية ومصر وقطر، والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا)، علّ رجالها يستطيعون حلحلة العقد بين الأحزاب والقوى اللبنانية المحلية، للتوافق على رئيس للبلاد، ما دام المجلس النيابي اللبناني منقسما على نفسه بشكل عمودي، ولا يستطيع إنتخاب رئيس، بلا يد مسعفة. فكانت أن بادرت قطر في 17/7/2023 لدعوة اللجنة الخماسية، للإجتماع في الدوحة، للتحضير لإنتخاب رئيس «يجسّد النزاهة».

وقد مدّت المملكة العربية السعودية مشكورة يدها، بعد طول إنتظار، لإسعاف لبنان في الوصول إلى إنتخابات توافقية، تحقق لهم إنتخاب الرئيس التوافقي العتيد، طالما أن إنتخاب الرئيس التنافسي، من سابع المستحيلات.

محمودة ومشكورة ومدعومة من اللبنانيين جميعا، هذه اللجنة الخماسية، التي إستأنفت اجتماعاتها في دارة السفير وليد بخاري في اليرزة، على بساط أحمدي. ونحن ندعو لها بالتوفيق.

غير أننا بالمناسبة، نودّ أن نذكر بأن الهوة قد إتّسعت بعد الشغور الرئاسي، منذ إنتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، أو كما يقول المثل العربي القديم: «قد إتّسع الخرق على الراقع».

فقد تغيّرت الظروف، وتغيّرت معها الأولويات، وإستجدّت على اللبنانيين المحن من كل الصنوف والألوان. إنهارت عملتهم الوطنية، وصاروا يعيشون بـ10% من رواتبهم. طارت ودائعهم، سُرقت منهم على قارعة الطريق في رابعة النهار. ثم  بدأ الشغور يصيب المراكز الأولى في الدولة، وليس أولها ولا آخرها، ولاية رئيس عتيد للجمهورية.

وإستبدّ الإنقسام بين اللبنانيين، حتى أنهم وإن إتفقوا على التكليف، فإنهم لم يتفقوا على التأليف. فأسقط في أيديهم منذ ذلك الحين.

لم تكن إسرائيل يومها تستبيح الأجواء السورية، فتقصف وتغتال على هواها، كما هو جار اليوم. لا تميّز بين الأطراف على أرضها، ولا تميّز بين المواقع أصلا، حتى أنها قصفت المدرسة الحربية بحمص، فذهب ضحيتها مئات الشهداء والجرحى من جميع الفئات. وقد كانت تلك الضربة، هي التي قصمت ظهر بعير محور الممانعة.

وليس بعيدا منها، كانت عملية «طوفان الأقصى»، وأزعم أنها كانت ردّا عليها، قامت بها حركة حماس، مدعومة من محور الممانعة. والتي ردّت عليها إسرائيل بنيران هي أشبه بنيران الجحيم. فما كانت تميّز بين الدور السكنية وبين الإدارات المدنية والإجتماعية والإنسانية والدينية، وحتى الأممية منها. ولا تزال حرب إسرائيل على أشدّها. حرب إبادة في غزة وفي القطاع. وهي تحمل أيضا، على الضفة ورام الله وتتعقب المقاومين الفلسطينيين. دون أن ننسى ما تمثل هذه العاصمة الصغيرة، من حكومة السلطة الفلسطينية ورئاستها.

لم يكن لبنان، قد طالته يد إسرائيل بعد، بضرباتها القوية. ولم يكن قد تبلور «الرد» بوحدة الساحات. ولم تكن إسرائيل قد جعلت لبنان من ضمن أهدافها. ولم تكن تتحدث عن إحياء قرار مجلس الأمن، 1701، ولا عن طلب إسرائيل المستجد، بخلو الشريط الحدودي اللبناني من أهله، وقد جعلته هذه المرة أوسع، إلى ما بعد الليطاني. ولم تكن تتحدث عن التحضير لفتح الجبهة الشمالية، وعن تأديب لبنان وضربها حتى العاصمة بيروت من جديد.. لم يكن لبنان بعد، قد شهدت سماؤه كثافة الغارات، وبدأت تشنّ فوقها الضربات الإسرائيلية العدوانية الذكية بالمسيّرات، فتصطاد الناس في دورهم وعلى الطرقات، وداخل السيارات.

تستأنف اللجنة الخماسية لأجل لبنان، محمودة مشكورة، عملها من دارة السفير السعودي. وقد تعمّقت الهوة الرئاسية، وإتّسع الخرق على الراقع. وجميعهم أدرى، وخصوصا سعادة السفير وليد بخاري، بما هو جاري. ومع ذلك، فنحن نذكّر إذا ما نفعت الذكرى. وندعو للخماسية بالتوفيق، وإن طالت إجتماعاتها، وكما يقول المثل العربي:

«لا بد من صنعا وإن طال السفر».