أبت الساعات الأخيرة من العام 2016 إلّا أن تحمل بشرى لعائلات العسكريين المخطوفين لدى «داعش». فبَعد أسبوع والأهالي «ع أعصابهم»، أكّدت المديرية العامة للأمن العام «عدم تطابق» عيّنات الحمض النووي (DNA) التي أخِذت من الأهالي مع عيّنات لجثث تسَلّمتها. وسط التفاؤل الذي غمرَ العائلات التسع، علمت «الجمهورية» بأنّ وفداً مِن الأهالي يستعدّ لثلاث زيارات رسمية مطلع العام 2017 من شأنها تحريك ملفّ أبنائهم.
«عام المعلومات الكاذبة»، «عام السكوبّات الرخيصة»، «عام الإشاعات والتلاعب بأعصاب الأهالي». بهذه العبارات يمكن اختصار ملفّ العسكريين المخطوفين لدى «داعش» في العام 2016. كادت تكون هذه السنة أشبَه بـ«ورقة نعوة» بالنسبة إلى عائلات العسكريين الذين لم يتركوا نذراً أو حجّاً يَعتب عليهم، بعدما انهارت قواهم حيال محاولة البعض استباقَ نتائح الحمض النووي واعتبار أنّ الجثث التي عُثِر عليها في إحدى مغاور جبال القلمون السورية هي للعسكريين.
في نظرةٍ بانورامية على العام 2016، بدت التحرّكات الاحتجاجية التي نفّذها الأهالي معدودة، أبرزُها اعتصامهم عند المدخل الرئيس للطريق المؤدّي إلى داخل كازينو لبنان، في 13 كانون الثاني 2016، وقطعُ الطريق من حاجز عين الشعب إلى عرسال عشية عيد الأم، بالإضافة إلى إحيائهم الذكرى الثالثة لخطف أبنائهم في ساحة رياض الصلح تحت شعار «غايبين سنتين وإنت يا حاكم بعد إلك عين؟».
فيما بدا لافتاً تكثيفُ الزيارات الرسمية التي قام بها وفد من الأهالي لزعماء وقادة سياسيين وأمنيين، مثل الرئيس تمّام سلام، قائد الجيش العماد جان قهوجي، اللواء عباس إبراهيم، الرئيس أمين الجميّل، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، وغيرها من الزيارات.
هل ستُنزع الخيَم؟
معظم الأيام خلت الخيَم في ساحة رياض الصلح من الأهالي الذين لازَموا قراهم إمّا لأسباب صحّية أو معيشية حفاظاً على لقمة عيشِهم وأعمالهم الزراعية. وحده حسين يوسف والد الجندي محمد لازَم الخيمة نيابةً عن العائلات، مردّداً: «كِلنا واحد وكِل مخطوف إبنّا».
وفي هذا السياق، يؤكّد يوسف لـ«الجمهورية» أنّ المشهد لن يبقى على حاله في ساحة رياض الصلح. هل ستُنزَع الخيم؟ يُجيب يوسف: «قطعاً لا، ستبقى إلى حين معرفة مصير العسكريين وتحريرهم، ولكن بعد مطلع العام 2017 وما إن تتحسّن الظروف المناخية وحالُ الطرقات سيَعمد الأهالي لملازمة الخيَم وأكثر من ذلك، وهذا جزء ممّا نحضّر له لإبقاء ملفّ أبنائنا تحت الضوء».
ويتابع متأسّفاً: «سمعنا كلاماً كثيراً ولم نلمس أفعالاً، 2016 كانت سنة المآسي والخوف بامتياز، وُعِدنا مراراً، وتمّ التلاعب بأعصابنا تكراراً، ولكن بفضل تنسيقنا الدائم مع اللواء عباس ابراهيم كانت أعصابنا تستكين».
ويتوقّف يوسف عند الإشاعات التي هزّت كيانَهم، قائلاً: «تَبلّغنا أنّ العسكريين باتوا في الموصل، ومرّةً أخرى أنّهم في الرقة ومنهم مَن التحقَ بالدولة الإسلامية، ولا شكّ في أنّنا تفاعلنا مع كلّ خبرية أو معلومة أو تحليل، فنحن مِن لحم ودم».
«وسَطاء ابتزّونا»
في هذا الإطار، يكشف يوسف عن تعرّضهم لابتزاز مادّي من قبَل وسَطاء، فيقول: «كُثر حاوَلوا ابتزازَنا مادياً، وبعض الوسطاء ادّعوا أنّ بوسعهم مقابلَ مبلغٍ من المال، تأمين فيديو، صورة، معلومة… إلّا أنّنا كنّا نتعامل مع الموضوع بشكل واعٍ ومِن منطلق خِبرتنا في التعامل مع ملفّ العسكريين المحرّرين لدى «جبهة النصرة»، وطبعاً بالتنسيق مع الأجهزة الامنية».
ويضيف: «المؤسف بعد أكثر من سنتين على اختطاف الشباب لم نصل إلى تحديد وسيط نتواصل معه مباشرةً أو يُطمئننا عن أولادنا، وحدَه كلام اللواء ابراهيم طمأنَنا لوجود وسيط جدّي، رفضَ الكشفَ عن اسمه، ونحن نحترم خوفَه وإرادتَه على أن يبلغ الملفّ خواتيمه السعيدة».
3 زيارات مطلع 2017
ومع اقتراب «عيد راس السنة»، لا شكّ في أن لا محلّ من الإعراب لكلمة «عيد» في قاموس الأهالي. وفي هذا السياق، علمت «الجمهورية» بأنّ الأهالي في صَدد التحضير لثلاثة لقاءات رسمية أساسية بداية العام 2017، وهي مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مع الإشارة إلى أنّ الأهالي سبَق لهم والتقوا به كرئيس تكتّل «التغيير والإصلاح»، وزيارة إلى رئيس الحكومة سعد الحريري، مع التذكير بأنّه سبقَ للأهالي أن التقوا به إثر عودته إلى لبنان، وزيارة لقائد الجيش العماد جان قهوجي.
ولدى استفسارنا عن الخطوات الثلاث من يوسف، رفضَ التعليق، قائلاً: «أتحفّظ عن الزيارات الرسمية لدواعٍ أمنية، ولكنْ بالنسبة إلى مواصلتنا للتحرّكات والاعتصامات، فلا بدّ مِن كلمة؛ في الماضي كنّا نتحرّك خوفاً من الجهة الخاطفة وتهديداتها بتنفيذ الإعدام، ولكننا في العام الجديد لن ننتظر ضغط أحد، سنَعتصم أمام منزل كلّ وزير، «ما عنّا مشكلة نسكّر باب بيتو»، ومنزل كلّ مسؤول لا سيّما مَن يحاول التنصّل من واجباته أو يبدي تراخياً في الملفّ أو ربّما متاجرة».
الأمن العام
وظهر أمس، كان قد صدر عن المديرية العامة للأمن العام: «في إطار متابعة ملف العسكريين المخطوفين لدى تنظيم «داعش» الإرهابي، توافرت معلومات للمديرية العامة للأمن العام عن وجود أربع جثث في إحدى المناطق على الحدود اللبنانية – السورية، فتوجّهت دورية من المديرية يرافقها طبيب شرعي إلى المكان وأخَذت عيّنات من الجثث وأجرَت عليها فحوصات الحمض النووي (DNA)، وبعد مقارنتها مع العيّنات التي أخِذت من أهالي العسكريين المخطوفين جاءت النتيجة غير مطابقة».
…ولو في المنام
يشتاقون نهاراً، يحنّون فجراً، ويبكون ليلاً، هكذا يستقبل أهالي العسكريين عام 2017. وحالُ سعاد والدة محمد يوسف تُلخّص لوعةَ الأمّهات، فتقول: «مِن كِتر إشتياقي بطلب من ألله يفَرجيني صورة إبني ولو بالمنام، يخَليني إحلم فيه». ويبقى الأمل كبيراً بالعام الجديد!