مهما قيل وسيُقال، ربحت ايران اعترافاً عالمياً بها قوة اقليمية واقتصادية تبدأ بحصولها على المليارات الـ150 العائدة لها، وان خسرت برنامجها النووي الا ما يفيد منه لانتاج كهرباء. حتى الأمس كانت أنظمة هذه المنطقة من العالم تستمد شرعيتها من انتمائها العربي، وعلى رغم البعد الزمني عن السنة 1970 كانت نبرة جمال عبد الناصر، لا تزال في الأذهان وتوجه المواقف ولو الى حد ما، وعقيدة زكي الأرسوزي وميشال عفلق كانت موجودة وان ذبلت تعابيرها وأشكالها.
اليوم دخلنا زمن النظام الفارسي – العربي المشترك. عصر جديد والوقت ممتد ليصير الانتماء العربي قديماً. ستدخل ايران المنطقة بقوة أكبر حتى لو قيل ان نفوذها سينكفئ وتنصرف الى مشكلاتها الداخلية الهائلة بعد 36 عاماً من العزلة عن العالم. لم تمنع هذه العزلة طهران عن بناء حضور قوي لها في العراق وسوريا ولبنان واليمن. دعنا من دول الخليج. في المفاصل التقريرية ستكون لايران الكلمة الوازنة في هذه البلدان الأربعة ان لم تكن الأخيرة. ما تغيّر بعد الاتفاق الذي يكرّس دخولها بقوة الى المنطقة أنها يمكن أن تستمع الى الآخرين، تأخذ وتعطي بعدما كانت تدير لهم آذاناً صماء. على هذا الأساس ها هو وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أكثر المستعجلين لزيارة طهران.
وأياً تكن الحلول التي ستعتمد لحرب سوريا وللحرب على “تنظيم الدولة الاسلامية” ولحرب اليمن سوف تكون ايران الحاضر الأكبر الى طاولة المفاوضات. لن تعود أميركا “الشيطان الأكبر” صحيح، لكن المقابل يستحق، فقد دخلت ايران نادي دول “العتبة النووية” مثلها مثل ألمانيا واليابان. وكما الاتحاد السوفياتي في قديم الزمان تتحرك في المنطقة من خلال فروع لحزبها “حزب الله” الذي ينتشر بمسميات مختلفة في شرائح واسعة من الشعوب تنتمي الى الطائفة الشيعية ومتفرعاتها في زمن ينتشر فيه الشرخ السني – الشيعي كالوباء. خلفنا صار الانتماء العربي القديم والذي بني عليه نظام الشرق الأوسط متمثلاً بجامعة الدول العربية عام 1945. النظام البديل عربي – فارسي على الأبواب، وسيكون لبنان بعد العراق وسوريا احدى ساحات عمله الرئيسية.
هل استعد المسؤولون اللبنانيون والسياسيون اللبنانيون للواقع الجديد الذي سيفرض نفسه بسرعة؟ الأرجح لا. على رغم ذلك في قابل الأيام سيكون تعويل من جديد على حركة ديبلوماسية فرنسية مدعومة فاتيكانياً باتجاه طهران. ثمة قضايا كثيرة للبحث بين البلدين. يمكن القول ان لبنان سيكون في مقدمة الاهتمامات الفرنسية ولكن الأصح الجزم بأن طهران تربط كرسي الرئاسة في لبنان بكرسي الرئاسة في سوريا. لا حل لبيروت قبل دمشق. وفي أي حال الى أي مدى يمكن أن يغيّر انتخاب رئيس في الواقع اللبناني، بصلاحياته الحالية، بهيمنة السلاح “الحزب الإلهي” على الدولة ومفاصلها الأساسية، وبأسماء المرشحين للرئاسة المعروفين وهم بعدد أصابع اليد؟
ولكن مهلاً، ماذا عن سعي النائب الجنرال ميشال عون الى ما يسميها “استعادة حقوق المسيحيين؟”. يجدر التوقف ملياً هنا عند حقيقة أن الرجل يستمد قوته من تحالفه مع “حزب الله” والشعار هذا الذي يرفعه لا يتناسب مع استراتيجية هذا الحزب لا اليوم ولا في أي يوم. يستحيل أن يعود المسيحيون الى الدور الذي كانوا عليه قبل الحرب لأسباب كثيرة أبرزها تناقص أعدادهم ديموغرافيا. ضمانهم الوحيد سيكون في نظام علماني كما تكون العلمانية، لكنه مستحيل في هذه الأجواء والظروف، لذا يبقى الحل القبول بدستور الطائف الذي يصلح نموذجاً لدول المنطقة التي تعاني صراع طوائف وجماعات متعددة.
في انتظار أن يسود هذا الاقتناع عند المسيحيين على ممثليهم أن يضعوا شيئاً من الماء في نبيذهم. الوزير جبران باسيل الذي يتقبل السكوت في مجلس الوزراء باشارة من وزير حليف لا بأس أن يسكت اذا طلب اليه ذلك رئيس مجلس الوزراء. ولا ضرورة لتحريك الشارع تحت شعار كبير لهدف انتخابي داخل تيار أو حزب، أو لتسويق تولي أحد افراد العائلة منصباً كبيراً في الدولة، خصوصاً أن هزالة النتيجة بعد حملة التعبئة وتحفيز المناصرين الكبيرة لا يمكن اخفاؤها.
كان على “التيار العوني” أن يفهم ويحذر ويحاذر الاصطدام بحقيقة أن المسيحيين اللبنانيين لا يمكن أن يتحركوا ويتجيشوا ضد الجيش اللبناني.