Site icon IMLebanon

وداعا سوريا الموحدة؟

لا يمكن لعاقل ان يعتقد ان خريطة المنطقة العربية ستعود الى ما كانت عليه قبل «حفلة الربيع العربي». وواهم من يظن ان الحروب التي عصفت بالدول العربية ستنتهي بانظمة ديموقراطية كما يحلم «ثوار» هذا الربيع. كان من غاية المنى ان تكون الديموقراطية ثمنا لهذا البحر من الدماء التي سفكت على مذابح الثورة، لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، وصارت المنطقة ودولها على كف عفريت.

من ينظر الى واقع العالم العربي اليوم يأخذ منه الإحباط مأخذا. سوريا «خمس سوريات» موزعة بين النظام والمعارضة «المعتدلة» و «داعش» و «النصرة» والأكراد. العراق «ثلاثة عراقات» بين السلطة و «داعش» والأكراد تحت غطاء الفدرلة. اليمن ثلاثة «يمنات» بين التحالف السعودي والتحالف الحوثي و «القاعدة». ليبيا عصية على العد بالنسبة للقوى الحاكمة. مصر وتونس غارقتان في لجة الارهاب. دول الخليج خائفة من المستقبل وتعرف أنها ستتجرع كأس التفتيت اذا شربته دول المنطقة.

لبنان وحده يبدو خارج المعادلة لأن «ما فيه يكفيه»، ولأن اللبنانيين اكتشفوا ان بلدهم أصغر من ان يُقتسم أويُقسّم الى دويلات، لكن واقعه أشبه بمحميات ضمن وحدة جغرافية قسرية.

في ظل هذا الواقع أعلن الأكراد السوريون الحكم الذاتي في المناطق التي يسيطرون عليها في شمال سوريا وشرقها. قبلهم حقق أكراد العراق حلمهم التاريخي بالحكم الذاتي. بالتأكيد لن ينأى أكراد تركيا وايران بأنفسهم عن هذا الحلم، وليس سرا ان الولايات المتحدة الأميركية تؤيد قيام دولة كردية تقتطع أراضي من سوريا والعراق وإيران وتركيا، على الرغم من معارضتها العلنية الحالية للحكم الذاتي. فعندما تصبح مثل هذه الدولة بحدودها الجغرافية الملائمة سنجد الولايات المتحدة داعما لهذا الواقع على طريقة «لا حول ولا». ولا يبدو الروس في وارد مناهضة هذا المشروع لعله يشغل خصمهم التركي.

قد يكون في هذا التصور شيء من المبالغة. لكن مراجعة بسيطة للعقود الماضية تنبئ بما لا يحمد عقباه. ألم يكن الاتحاد السوفياتي دولة واحدة موحدة مهابة الجانب فصارت خمس عشرة دولة؟ وأين أصبحت يوغسلافيا تيتو الواحدة التي صارت اربع دول؟ ألم تكن تشيكوسلوفاكيا دولة واحدة فصارت دولتين؟ وهل غير أحلام الأعراق والطوائف وراء هذه التجزئة؟ وبالتالي ماذا ينقص هذه المنطقة من تناحر بين أعراقها وطوائفها ومذاهبها لكي يضربها التفتت؟ وإذا كان الغرب والدول الكبرى قد هضمت في السابق هذا التفتت، فلماذا ترفضه في منطقتنا ولديها الف سبب وسبب لذلك؟

صحيح ان الاستعمار القديم خرج من بلادنا، لكن الاستعمار البديل والجديد يمقت الوحدة والتوحد، ويراهن على التفتيت والتجزئة لوضع يده من بعيد على الأنظمة والناس والخيرات. وفي بلادنا من الخيرات ما يغري ويزيد.

لعل اكبر كذبة يروج لها الغرب هي تحقيق الديموقراطية في بلادنا. الغرب يفضّل التعاطي مع حاكم مطلق، بدل الغرق مع حكومات وبرلمانات وموالاة ومعارضة.

تبدو صورة المستقبل في المنطقة سوداء حالكة. وواهم من يعتقد غير ذلك. ومشروع الدولة الكردية هو البداية، فهل نقول وداعا لسوريا الموحدة، على الأقل تحت ستار الفدرلة؟