أول ملك سعودي مولود في السعودية
«النميمة» تحكم القراءة اللبنانية للمتغيرات
«من يبني قصوراً من الوهم ويلصقها بالتغيير الذي طرأ في السعودية نتيجة وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز، يكون إما حالماً أو لا يعرف شيئاً عن مسار الأمور في السعودية». هي عبارة يرددها كل من يعرف القليل عن العائلة الحاكمة في السعودية. لا جدال في أن هذه العائلة، وبالرغم من تعدادها الكبير، ظلت متماسكة أكثر من أي عائلة لا يحكمها الجزء اليسير من التناقضات التي تطال آل سعود.
على سبيل دقة الملاحظة، ثمة من يقول إن التغيير الوحيد الذي حصل مع مبايعة الملك سلمان بن عبد العزيز ملكاً، يتعلق بتسجيل التاريخ اسم أول ملك سعودي مولود في السعودية. فالملك الجديد المولود في العام 193٦ هو الوحيد من بين الملوك السابقين الذي ولد بعد إنشاء المملكة في العام 1932.
بعيداً عن هذه الملاحظة التي لا تحمل أي دلالات سياسية، وإن تعبّر عن حالة الشيخوخة التي تصيب المملكة، فإن «الخلافات» و «التيارات» التي يراهن عليها كثر لقطف ثمارها في أكثر من بلد، ولاسيما في لبنان، تنتهي عند المراس الكبير لهذه العائلة بكيفية إدارة الحكم وكيفية إدارة التناقضات والمصالح داخلها. وهو ما يؤدي في النهاية إلى تقاسم السلطة بحرفية بين أقطاب العائلة.
وفي مطلق الأحوال، لا يمكن التغاضي عن حقيقة أنه في منطقة تشهد أنظمتها تصدعاً كبيراً، لم يحتج الأمر لأكثر من ساعة على رحيل الملك عبدالله حتى كانت أمور الحكم في السعودية قد انتظمت.
هذا لا يعني أن الرياض ليست في مرحلة مفصلية، إذ أنه ليس تفصيلاً أن تسجل التعيينات الجديدة فتح الباب رسمياً أمام الجيل الثالث عبر تعيين محمد بن نايف ولياً لولي العهد. وإذا كان لذلك أهمية على الصعيد العالمي، وليس السعودي فحسب، فأهميته في لبنان عند كثر تقتصر على «النميمة». يتذكر هؤلاء وثائق «ويكيليكس» التي انتقد فيها سعد الحريري محمد بن نايف، واصفاً إياه بـ «السفاح». هذه العبارة، أطلقت العنان لمخيلة بعض المناوئين للحريري، إلى حد القول بقرب انتهاء عصر الحريرية. فات هؤلاء أن علاقة السعودية، كنظام، بالحريرية، تنطلق أولاً وأخيراً من حرصها على حصتها السنية في لبنان (من خلال حماية اتفاق الطائف أولاً)، أو من مصلحتها في الحفاظ على الاستقرار اللبناني (من خلال دعمها القوى العسكرية تحديداً). أما ما يتعلق بتلك العبارة، فلا أحد يمكنه الجزم أن الخلاف بشأنها لم يسوَّ، إذ يقول بعض العارفين بالعقلية السعودية أن اعتذاراً قد يكون كافياً في مثل هذه الحالات.
للتذكير، عندما وصل الملك عبدالله إلى الحكم، كثر كرروا الكلام نفسه. قالوا إن الحريري من حصة الملك الفهد والعد العكسي لاضمحلال نفوذ الحريري قد اقترب، قبل أن يعاود هؤلاء التنبه إلى أن الحريري صار على يمين عبدالله (الأمر مختلف بالنسبة لأصدقاء السعودية الذين بنوا أمجادهم على وجود خالد التويجري رئيساً للديوان الملكي).
من يعرف السعودية يعرف أن لا بديل عن الحريري بوصفه رجلها الأول في لبنان، إلا أن ذلك لا يعني عدم إمكانية استيعاب آخرين من القيادات السنية، لكن ذلك سيحتاج لبعض الوقت حتى يتبين خيطه الأبيض من الأسود.
أما من يراهن على شح في تمويل «المستقبل»، فقد لا يكون مخطئاً، لكن ذلك لن يكون عائداً إلى قرار سعودي بإقفال «الحنفية»، إنما للنقص الكبير في السيولة الناتج عن انخفاض أسعار النفط. أن يصل سعر البرميل إلى ما دون الخمسين دولارا بعدما كان يزيد عن المئة، فلا بد أن يترجم ذلك شحاً مالياً في أكثر من مكان، خاصة أن أولوية الأوليات بالنسبة للسعودية هي دعم الاقتصاد المصري، المهدد بالانهيار.
ومن باب المقارنة، فإن هذا الشح لن يقتصر على حلفاء السعودية فقط. حلفاء إيران لن يكونوا أفضل حالاً في ظل الضرر الكبير الذي تلحقه أسعار النفط بالاقتصاد الإيراني.
الاستثمار بالاستقرار هو الوسيلة الأنجع إذاً لكل من السعودية وإيران. والحوار هو أحد أبرز تجليات هذا الاستقرار، علماً أن الهدوء اللبناني هو حاجة دولية أيضاً لأن لبنان، بالنظر إلى الملفات التي يحملها، هو «دولة دولية» كما هي السعودية تماماً، وإن اختلفت الأسباب. فليس تفصيلاً أن لبنان يستقبل القوات الدولية ومليونا ونصف المليون من النازحين السوريين ونصف مليون نازح فلسطيني. كما أن جغرافيته السياسية، تزيد من الرغبة الدولية بتحصين الوضع فيه.
كل ذلك يشي أن «الستاتيكو» اللبناني لن يتأثر بالمعطيات السعودية المستجدة، وإن تأثرت مصالح البعض.