Site icon IMLebanon

قياسات الغوطة الكيماوية

 

إذا كان دخول الخبراء التابعين لمنظمة «حظر انتشار السلاح الكيماوي» إلى دوما المنكوبة لمعاينة الجريمة التي بقيت من دون عقاب وانضمت إلى سائر الجرائم المشابهة، لا يزال يخضع لكل تلك العوائق والصواعق والمناورات والعقبات والتآمرات السافرات الواضحات المشعّات، فكيف يمكن أحد! أن يصدّق، خبرية «دخول» النكبة العامة، في مرحلة استئناف البحث عن الحل السياسي المنشود؟!

 

موقع واحد يختصر كل الجغرافيا السورية، وجريمة واحدة تختصر النكبة برمّتها! والأمر في عموميّاته يدلّ على المبدأ الماسيّ الذي لا يفنى: الحقّ المجرّد من الأسنان، لا يبلعه أحد! ولا يحترمه أحد! فيما القوّة المضادّة لا تحتاج إلى أي شرعة أو شريعة للتلطّي خلفها! بل هي، في الحالة السورية – الروسية – الإيرانية الراهنة، مكتفية بحالها و«حضورها» لاختصار كل شيء آخر. بما في ذلك قرارات مجلس الأمن! والإدانات الدولية المتهاطلة من كل صوب! أو النوازع الذاتية المفترضة التي تضع حدّاً للتوحّش! و«تحترم» قواعد حماية المدنيين العزّل أو تحييدهم قدر الإمكان. أو تقديم أداء ميداني يتمتع بشيء من الشرف إذا أمكن! أو بشيء قريب من الشجاعة الأخلاقية! أو على صلة بالمناقب التي تدلّ مثلاً على اعتذارية ما إزاء «الاضطرار» لخوض الحرب! ثم التأسّي على ضحاياها! أو على تفلّت «غير مقصود» باتجاهات بعيدة عن خطوط التماس والقتال.. إلخ.

 

في يوميات نكبة السوريين، ما يكفي للدلالة على انعدام جلّ ما له صلة بتلك القيم.. تبعاً لحضور جلّ ما له صلة بأساسيات تَمَكُّنْ أنظمة المحور المثلّث أصلاً وفصلاً! وبالمخزون الذي تتكئ عليه لتثبيت بقائها ودوامها وسلطتها وسطوتها.. وفي هذا، فإن تلاقيها على الأرض السورية ليس فقط وليد تقاطع مصالح وسياسات واستراتيجيات، بل يُضاف عليه تقاطع قياسات أخلاقية و«فكرية» راسخة وجذرية و«ناجحة» في أرضها بما يكفي لتصديرها إلى أرض غيرها!

 

هذه المنظومة البطرانة لا تتحمل شهادة ضحاياها على ما ارتكبت في حقّها! تنفّذ الجريمة وتتهم القتيل بالانتحار! وتتلاعب بالأدلّة ومسرح الواقعة وتدّعي البراءة! وشعورها في الكذب مردّه ازدراءها الأصلي بقيم الأنسنة والأخلاق، لكن الأهم من ذلك، تيقّنها من ضمور قوّة أصحاب الحق، وغياب الرادع الموازي، وانكسار الميزان لصالحها (ولو مرحلياً في كل حال!).

 

قوّة عظمى وأخرى مدّعية، تضعان كلّ ثقلهما وقوّة نارهما في مواجهة «عصابات مسلّحة»، وبرغم ذلك لا تتمكنا من كسر تلك «العصابات» إلاّ بالمناورات والتسويات والصفقات والسمسرات وفوقها الكيماويات والغازيّات والمحرّمات! واحدة تُحاضِر وتُجادل باستحقاقها رفعة المقام القطبي والمحوري، على مستوى الكرة الأرضية، وثانية تُحاضِر وتُجادل بمكارم الأخلاق الدينية ومطوّلات الحلال والحرام والحقّ والجور والسيف والدم والبداية والآخرة، ولا ترضى بتوصيفٍ أقلّ من «ظلّ الله على الأرض»! وبدورٍ أقل من قيادة «المستضعفين في الأرض»!

 

هاتان القوّتان راعيتان حاميتان لسفّاك سفّاح عزَّ نظيره في العالمين، لكنهما تخشَيا من بصقة طفل في دوما خرجت من بين شفتين غطّتهما رغوة الكلور الأسدي!