IMLebanon

«أزمة الحكم» اللبنانية كما يراها الحليفان!

لا يرى رئيس أكبر كتلة نيابية في البرلمان اللبناني من شؤون البلاد والعباد الا ما يهمه شخصيا. هذا على الأقل ما عبّر عنه في آخر مؤتمر صحافي له بعد اجتماع استثنائي للكتلة، وهو تحديدا ما خرج به على الناس بعد أيام من تهديد المقربين منه ووعيدهم بأنه لن يبقى ساكتا، وبأنه يتجه اما الى تفجير الوضع أو أقله الى الاعتكاف أو الاستقالة من الحكومة وربما حتى من مجلس النواب.

وما قاله رئيس هذه الكتلة، العماد ميشال عون، يتلخص في كلمات قليلة: أولاً، لا انتخابات رئاسية الا اذا كانت تضمن وصوله الى قصر الرئاسة، بالقفز فوق الدستور أو بتعديله أو بانتخاب مباشر من الشعب، وفي كل حال باجراء انتخابات نيابية بموجب قانون انتخابي جديد قبل البحث بامكان اجراء انتخابات رئاسية. ثانياً، لا حكومة تعمل، أو يجوز لها أن تعمل، الا اذا كان عملها يضمن وصول صهره العميد شامل روكز الى قيادة الجيش، وأيا كانت نتائج التعطيل الحكومي هذا على البلاد في أخطر مرحلة تمر فيها المنطقة ويمر فيها لبنان. ثالثاً، لا مشكلة لبنانية أخرى الآن، لا في ما يتعلق باللاحكم(أو هو «حكم براءة»؟!) الذي قررته المحكمة العسكرية للوزير الأسبق ميشال سماحة على جريمته التي كانت تهدف الى اشعال حرب أهلية(رفض عون الرد على سؤال حوله)، ولا في ما يتعلق بمباشرة حليفه «حزب الله» حملة عسكرية جديدة على الحدود من شأنها أن تضع لبنان كله في مهب الريح وأن تضاعف بالتالي عدد النازحين اليه. رابعاً وأخيراً، لا أزمة اقتصاد ومال واستيراد وتصدير وصحة عامة وتربية وبطالة، أي أزمة معيشة، مما يسترعي اهتمام الكتلة النيابية الأكبر ورئيسها المرشح لمنصب رئاسة الجمهورية.

ما يراه العماد عون في لبنان هو ما يسميه «أزمة حكم» لا أكثر ولا أقل، وأن هذه الأزمة بدأت في العام 1990، أي منذ اتفاق الطائف الذي رفضه يومها وحاول منع النواب من السفر الى الطائف للتباحث بشأنه ثم من العودة الى بيوتهم بعده، بالرغم من أنه لا يرى فيه الآن سوى المناصفة التي يتمسك بها من ناحية، وصلاحيات رئيس الجمهورية التي يشكو من تقلصها من ناحية ثانية.

أما الخروج من «أزمة الحكم» هذه، فلا يأتي في رأيه الا من خلال اقتراح سبق أن طرحه ولم يجد قبولا من أحد خارج كتلته: انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، وعلى مرحلتين، أولاهما مسيحية والثانية وطنية عامة. أو اللجوء الى تنظيم استفتاء شعبي ومن ينال الأكثرية ينتخبه المجلس. أو أن يختار المجلس بين الأول والثاني من الموارنة «الأكثر تمثيلا»…أي عمليا، تدوير الزوايا بأي شكل وكيفما كان من أجل ايصاله هو الى المنصب، لأنه كما قال بالحرف: «لن أعيد مأساة الدوحة في العام 2008، واذا كان البعض لم يقتنع بعد، فأتمنى عليه ألا يجبرني على تكرار كلماتي: يستطيع العالم أن يسحقني، لكنه لن يأخذ توقيعي».

اذاً، هي «أزمة حكم» لمجرد أن العماد عون ليس رئيسا للجمهورية، بالرغم من أنه وحلفاءه منعوا مجلس النواب من الانعقاد طيلة عام كامل للقيام بهذا الواجب الدستوري. وهي «أزمة حكم» كذلك، لأن الحكومة التي يشارك فيها لا تريد، أو هي لا تستطيع، أن تعين صهره قائدا للجيش. وهي بعد ذلك كله «أزمة حكم»، لأن حكومة ومجلس نواب لا يعدلان الدستور بما يتلاءم مع اقتراحاته، ولا يجريان بالتالي انتخابات رئاسية يفوز فيها هو بالمنصب، ولا يدوران الزوايا بحيث يصل صهره الى قيادة الجيش، ليسا الحكومة والمجلس اللذين يحوزان على ثقته وثقة كتلته النيابية.

هل تعتكفون في الحكومة وفي المجلس؟، لا!. هل تستقيلون؟، لا أيضا!. هل تسهلون الأمور؟، لا كذلك!. ماذا تفعلون؟، نهدد ونبقى نهدد الى ما لا نهاية!

هذا الواقع، كما يبدو، هو ما توصل اليه العماد عون في لقائه الأخير مع الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله عشية بدء الحزب معركته الجديدة في القلمون، والذي وصف يومها بعبارات محددة قال فيها نصرالله لعون: نحن معك في كل ما تقرره أو تذهب اليه!

والسيد نصرالله، كما يعرف عون، هو «جندي في جيش الولي الفقيه» الذي يخوض معارك حربية متعددة الآن في سوريا وفي العراق واليمن وغيرها تحت راية «محور المقاومة والممانعة» الذي لا ينكره أو يتنكر له حتى عون نفسه. 

فهل اجتماع الكتلة الاستثنائي، وتالياً مؤتمر عون الصحافي، كان من نوع اجتماع «غرفة العمليات» للمعارك ذاتها، وان كانت هنا معارك سياسية لبنانية وليست لمناقشة أصناف الأسلحة النارية التي تستخدم فيها؟ 

وماذا يعني بعدها قول عون انه ليس سوى «مرشح توافقي» للرئاسة، أو أن «لعبة اقليمية او دولية» حالت دون اتفاق اللبنانيين على انتخابه، أو حتى أن «فيتو» سعوديا هو الذي حال دون ترئيسه حتى الآن؟

ثم، وعلى افتراض وجود مثل هذا «الفيتو» السعودي، فهل يجوز لعون أن يلوم المملكة على موقفها هذا منه ما دام يخوض في لبنان معارك ايران و«حزب الله» في العراق وسوريا واليمن؟

الحال أن هذه هي الحال، والغريب أنه ما يزال في لبنان من يردد كلام نصرالله وعون عن لبنان و«أزمة الحكم» فيه من دون أن يطرح الأسئلة البديهية عنه!