على مقربة من تاريخ انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في 31 تموز الجاري، تضيق الخيارات أمام النواب الأربعة للحاكم، خصوصاً انّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أكّد أن لا تمديد لسلامة ولا تعيين لبديل عنه، فيما اختار «حزب الله» باكراً ان يلتزم بضوابط ميثاقية وقانونية لهذا الملف.
بدا موقف «حزب الله» قاطعاً منذ البداية في جزمه بأنّ حكومة تصريف الأعمال غير مؤهّلة دستورياً وقانونياً لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان. لم يترك الحزب أي مجال للالتباس في مقاربته لحدود صلاحيات الحكومة المستقيلة، مؤكّدا أنّ تعيين حاكم أصيل ليس من اختصاصها، لأنّه يتجاوز الهامش المسموح به ضمن نطاق التصريف الضيّق للاعمال.
ومن الواضح انّ الحزب يميّز بين ضرورة أن تؤدي الحكومة واجباتها في تصريف الأعمال، لمنع الإضرار بمصالح المواطنين الملحّة والحيوية، حتى لو تطلّب الأمر اجتماعها من حين الى آخر، وبين ان تتخذ قرارات جوهرية و«تكوينية» لا يحق لها اتخاذها في ظلّ محدودية صلاحياتها وغياب رئيس الجمهورية.
ويلاقي الحزب بهذا الطرح موقف المسيحيين عموماً، و«التيار الوطني الحر» خصوصاً، وهو بذلك يوجّه رسالة إلى «الحليف المعلّق»، بأنّ الاتهامات التي وجّهها اليه بالانقلاب على الشراكة والتوازن بسبب مشاركته في جلسات الحكومة لم تكن في محلها، وانّه عندما يشعر بأنّ مفهومي الشراكة والتوازن قد يتعّرضان لتهديد حقيقي، فإنّه لا يضيّع البوصلة ولا يغضّ الطرف، بل يحمي في التوقيت المناسب هذين المفهومين بكل ما أوتي من قوة.
وضمن هذا السياق، تلفت اوساط قريبة من الحزب، إلى أنّه لا يزال منسجماً مع نفسه واقتناعاته، «وهو أثبت في ملف حاكمية المصرف المركزي صدقية ما طرحه منذ اليوم الأول للشغور الرئاسي، حول رفضه ان تبحث حكومة ميقاتي في اي قضايا أساسية و «تأسيسية»، من شأنها ان تتجاوز القواعد الميثاقية وتهمّش المكوّن المسيحي».
«الحساسية» ذاتها تحكم تعاطي الحزب مع الاستعدادات لمرحلة خلو مصرف لبنان من سلامة، وهذا ما عكسه عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله، بإشارته إلى أنّ «هناك نصوصاً قانونية واضحة تؤدي إلى ملء الفراغات المؤقتة لتسيير المرفق العام، خصوصاً في ما يتعلق بالمصرف المركزي. فلا يمكن لأي أحد في هذا الظرف الاستثنائي ان يقول للناس إنّه يريد أن يتخلّى عن المسؤولية، خصوصاً أنكم تنعّمتم بالسلطة وامتيازاتها، وبالتالي لا يمكن لكم اليوم أن تأتوا لتقولوا نحن نريد أن نجلس في البيت وأن نتخلّى عن المسؤولية، وهذا ينطبق على أي مسؤول، سواء كان وزيراً أو نائباً أو موظفاً في سلك مدني أو عسكري، مالي أو اجتماعي أو سياسي»، منبّها الى أنّ هناك مترتبات دستورية وقانونية على كل من يُخلّ بواجباته الوظيفية.
بهذا المعنى، حسم «حزب الله» بوجوب ان يتسلّم النائب الأول لحاكم المصرف المركزي وسيم منصوري صلاحيات سلامة في نهاية تموز، بعيداً من أي اجتهادات او تفسيرات اخرى. بالنسبة إلى القريبين من الحزب، فإنّ محاولة نواب الحاكم الأربعة البحث عن حماية في مواجهة تحدّيات مرحلة ما بعد سلامة، لا تكون بهذه الطريقة التي عكسها بيانهم التحذيري.
ويلفت هؤلاء، إلى أنّه اذا كان النواب الأربعة «يتهيّبون الوضع ويشعرون بأنّ الحمل ثقيل، فلماذا وافقوا منذ البداية على تحمّل المسؤولية وقبلوا بتعيينهم في مراكزهم، علماً انّ هذا التعيين تمّ في حزيران 2020 اي بعد حصول الانهيار الكبير في تشرين الأول عام 2019؟».
ومن وجهة نظر الحزب، فإنّ القاعدة التي طُبّقت على المديرية العامة للأمن العام يجب أن تسري على المصرف المركزي، و»كما حلّ اللواء الياس البيسري مكان اللواء عباس ابراهيم بسبب تعذّر تعيين مدير عام أصيل للأمن العام، يجب المعيار نفسه ان يحلّ النائب الأول للحاكم مكان رياض سلامة تلقائياً نتيجة تعذّر تعيين حاكم أصيل».
ويشدّد الحزب على ضرورة الاستمرار في تسيير المرفق العام، لأنّ الشغور ممنوع في هذا المرفق، «والقانون لم يترك اساساً اي مجال للفراغ في المؤسسات، ومن بينها مصرف لبنان، بل هو يضمن الانتقال السلس للصلاحيات الى الأعلى مرتبة، في انتظار ان يُملأ الشغور».