على هامش الحديث عن الخطط في مواجهة مسلسل الأزمات المتناسلة، طُرح السؤال على اكثر من وسيط شارك في مساعي تأليف الحكومة، وفي الإجراءات التي لم تولد بعد، من اجل ترشيد الدعم، لتمديد فترة الإستفادة من موجودات مصرف لبنان المحدودة، في مواجهة فلتان الاسعار وانهيار العملة الوطنية. فظهر اجماع على الترابط بين الخطوتين، على قاعدة العجز الذي يظللهما؟ كيف ولماذا؟
لا يمكن أي جدول مقارنة ان يربط علمياً ما بين التعثر في مواجهة معضلة دعم المواد الأساسية والعوائق التي حالت دون تشكيل الحكومة العتيدة. فالفصل الذي يعتقده بعض وزراء حكومة تصريف الاعمال، كما الساعون الى تشكيل الحكومة الجديدة، يدركون انّ الفصل سياسي. ذلك انّ من اولى المهمات التي ستناط بالحكومة العتيدة سيكون موضوع رفع الدعم عن المواد الغذائية والاساسية، ليس لسبب يرتبط بالخطوة في حدّ ذاتها حصراً، انما في اطار المواجهة الشاملة مع اصول الأزمة الاقتصادية والنقدية وانعكاساتها السلبية، التي تنحو الى ما هو أخطر بكثير من مظاهرها الحالية.
ولا يختلف إثنان على ما هو متوقع من تشكيل الحكومة العتيدة، وخصوصاً ان التزمت في شكل من الأشكال ما تبقّى من خريطة الطريق التي رسمتها المبادرة الفرنسية. فالتصدّي للوضع الاقتصادي والنقدي، وما تركه على الساحة اللبنانية من المخاطر التي لا يمكن تقدير ما قد تؤول اليه ان بقيت على تطورها السلبي، سيكون من اولى مهماتها. كما انّها ستكون من ابرز عناوين بيانها الوزاري اياً كان شكلها. وانّ الحديث عن الفصل بين هذه الملفات المتشابكة والمتناسلة، لا مكان له في اي برنامج حكومي. فالجميع يدرك انّ سياسة التردّد المعتمدة في حكومة تصريف الاعمال تجاه عملية رفع الدعم، والنِسب التي يمكن اللجوء اليها، مردّها الى الخوف من النتائج المترتبة على اي قرار من هذا النوع، وهو ما لا تتحمّله حكومة تُركت وحيدة لتكون «كبش محرقة» في ليلة من ليالي آب، عقب انفجار المرفأ.
فحكومة تصريف الاعمال التي غرقت في بحور اللجان الوزارية المتعددة الاهتمامات، توصلت برئيسها وابرز وزرائها الى إقتناع لا شك فيه، مفاده، انّ اي قرار يتصل بخفض نسبة الدعم على المواد الأساسية كالأدوية والقمح والمشتقات النفطية وما عداها من السلع الاساسية، قد يكون قراراً انتحارياً في ظلّ شح الموارد المالية في مصرف لبنان وبلوغه الاحتياطي الالزامي، عدا عمّا بلغه التردّي الاقتصادي في اكثر من قطاع، وتراجع موارد العائلات اللبنانية والصرف الكيفي الذي شهدته المؤسسات بعدد لم يكن متوقعاً.
وعليه، يسعى الوسطاء العاملون لتأليف الحكومة الى الإسراع في الخطوات الممكنة، من اجل تكوين السلطة مجدداً، رغم العوائق السياسية التي تحول دون ذلك. فالمواقف التي رافقت الوساطات المتعددة التي اطلقتها بكركي ومواقع اخرى، كشفت بالمقدار الكافي «هزالة» بعض المواقف التي تعوق التأليف، بمقدار ما دفع الى البحث عن اسباب غامضة قد تكون خارجية، وتحول دون اقدام اي من الأطراف على الالتقاء في بقعة وسط يمكن ان تُنتج مخارج للأزمة.
على هذه الخلفيات تعدّدت الروايات والسيناريوهات المتداولة، وان كان معظمها لم يستطع ان يحسم الفصل المطلوب بين الخيوط الخارجية التي تعوق التأليف او الداخلية منها إن وجدت. ومردّ هذا التساؤل الذي لا جواب واضحاً في شأنه، في ظلّ اخفاء كثير من المعطيات المتوافرة لدى المعنيين بالعملية. لكنه في الوقت عينه يوجب التوقف عند ما جاء على لسان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة الاحد امس الاول، انّه لم يتلمس طوال الايام الاربعة لوساطته «سبباً واحداً يستحق التأخير في تشكيل الحكومة يوماً واحداً». فيما وجد «لدى الناس ألف سبب يستوجب التأليف».
وان ترجم العارفون ما قصده الراعي في «معادلته المفتاحية» هذه، فمن الواضح انّه اشار الى انّ الأسباب الداخلية للعرقلة «سخيفة». وان وجدت اسباب اخرى، ففي امكان المسؤولين عصيان المعطيات الخارجية وتجاوزها في مثل هذه المحطات المأسوية التي تعيشها البلاد، ان صدقت النيات. وانّ عليهم «عزل انفسهم ولو لمرة واحدة» عن التوجيهات الخارجية.
وعليه، فإذا صح ما تردّد في الاوساط السياسية قبل ايام قليلة، فإنّ التفاهم ما زال متعثراً حول حقيبتين أو ثلاث. وان كان الامر صحيحاً، فقد حسم لقاء بكركي الخميس الماضي بين الراعي والحريري الامر. فقد أظهر الرئيس المكلّف في اللقاء، انّه حسم توزير اربعة اسماء لمسيحيين في التشكيلة التي رفعها الى رئيس الجمهورية في اللقاء الثاني عشر بينهما، من لائحة سلّمه ايّاها عون في اللقاء الثاني بينهما بداية تشرين الثاني الماضي، اي قبل 10 جلسات من تلك الأخيرة التي انتهت اليها عملية التأليف. وان لم تنف بعبدا هذه الواقعة، فإنّها قالت انّه ضمن التشكيلة ثلاثة منهم وليس اربعة من لائحة عون التي لم تكن نهائية. وهو ما ترك شكوكاً كبيرة حول جدّية القول انّ ما يعقّد التوليفة الحكومية النهائية بات محصوراً بحقيبة او اثنتين او ثلاث، وسط حديث عن اصرار عون على اعادة النظر في وزيري العدل والداخلية، إما بتخلّي الحريري عن اي منهما، او تسمية من يوافق عليه رئيس الجمهورية لوزارة الداخلية.
عند هذه الوقائع، ما على اللبنانيين سوى انتظار لقاء اليوم بين عون والحريري لمعرفة اتجاه الريح ولتصويب المعلومات التي تتحدث عن اسباب داخلية ام خارجية. فإن سقط الخيار الاول في الجلسة الثالثة عشرة – وما يوحيه رقمها من النحس لدى البعض- فما على الجميع سوى رصد المعلومات التي ستتحدث عن اسباب خارجية اخرى اعاقت التشكيلة المنتظرة. وهو ما يؤدي حتماً الى انتظار الحسم في شأن مصير رفع الدعم عن المواد الاساسية، الى حين تأليف الحكومة الجديدة، وتبيان ايهما الأغلى ثمناً أم الإثنين معاً؟!