IMLebanon

رهانات خيالية على حسابات “بلدية”

 

لا معيار في تأليف الحكومة يتقدم على معيار الكفاية والقدرة على إخراج لبنان من الهاوية الداخلية والعزلة الخارجية. لا حقوق الطوائف، بحيث يفتح “تمترس” كل واحدة من 18 طائفة خلف حقوقها جبهة حرب دائمة، وسط ما يهدد لبنان بفقدان حقه في الوجود كبلد حر. ولا الشراكة التي يكفلها الدستور بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، حين تبتعد ترجمتها من المشاركة البناءة في حل العقد وتقترب من المغالبة والمكاسرة. فما نحتاج اليه هو حكومة انقاذ من خارج التركيبة السياسية الفاشلة في مرحلة انتقالية تقود الى انتخابات وإعادة تكوين السلطة. وما نبدو مدفوعين اليه هو مرحلة انتقالية الى “جهنم” او الى “بلد آخر” لا نعرفه.

 

وليس الحديث عن تأخير التأليف الى ما بعد تسلّم الرئيس المنتخب جو بايدن السلطة سوى رهانات خيالية على حسابات “بلدية”. فلا كارثة لبنان التي لم تدفع أي مسؤول الى تحمل المسؤولية أو تغيير أي شيء، ستكون على طاولة بايدن في المكتب البيضوي يوم 20 كانون الثاني. ولا المفاوضات بين أميركا وايران على صفقة في الملف النووي والصواريخ الباليستية والأمن الإقليمي، وهي الآن في طريق مسدود بالرفض والشروط العالية، مرشحة للدخول في العمق قبل الانتخابات الرئاسية الايرانية في حزيران المقبل.

 

والسؤال في النهاية ليس فقط هل يمكن تأليف حكومة بل ايضاً كيف ستعمل في مناخ الخلافات السياسية. فالرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري على خلاف قاد الى سقوط التسوية الرئاسية واشتد بعده. وكلاهما على خلاف مع معظم ديوك الطوائف. عون على خلاف مع نبيه بري ووليد جنبلاط وسمير جعجع وسليمان فرنجية وسامي الجميل ودوري شمعون وتفاهم مع “حزب الله”. والحريري على خلاف مع جعجع وجنبلاط وجبران باسيل وطلعات ونزلات مع بري و”ربط نزاع ” مع “حزب الله”.

 

فضلاً عن الحاجة، وإن كانت صعبة، الى الفصل بين الشخص والشخصية، بالنسبة الى مفهوم الدولة، فمن جاء الى رئاسة الجمهورية هو الجنرال عون، لا التيار الوطني الحر ولا الموارنة. ومن تسلم رئاسة البرلمان هو نبيه بري، لا حركة أمل ولا الشيعة. ومن يأتي الى رئاسة الحكومة هو سعد الحريري، لا تيار المستقبل ولا السنّة. والشراكة في تأليف الحكومة هي بين شخصية رئيس الجمهورية، لا شخصه كمؤسس للتيار الوطني الحر، وبين شخصية رئيس الحكومة، لا شخصه كزعيم لتيار المستقبل. والفارق كبير بين واجبات الشخصية وارتباطات الشخص.

 

جورج شولتز وزير الخارجية الأميركي الأسبق الذي بلغ المئة، كتب مقالاً في “الواشنطن بوست” قال فيه: “الثقة هي عملة العالم”. والثقة هي في مقدم ما ينقصنا، من بين كثير، في لبنان.