تُراوِح قصة «ابريق الزيت» الحكومي مكانها، من دون أن تكون قد ظهرت بعد ايّ إشارات حقيقية الى نهاية قريبة لهذه القصة المَمجوجة التي لم يَملّ بعد أصحابها من اجترارها.
اذا لم يبدّل رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري مع بداية العام زاوية الرؤية، فإنّ ملف الحكومة المفترضة سيبقى عالقاً في عنق الزجاجة، حيث لا تشكيل ولا اعتذار!
والمراوحة المستمرة لا تعني فقط أن ليس هناك مِن تقدّم إلى الأمام في مسعى التأليف، بل هي تهدد بإمكان العودة الى الخلف، وبالتالي الانطلاق مجدداً من نقطة الصفر او تحتها.
وتتداول أوساط سياسية بأنّ مبدأ تشكيل الحكومة من 18 وزيراً، والذي كان يوجد شِبه اتفاق عليه، قد يهتزّ من جديد اذا استمرت السلبية هي الطاغية، خصوصاً انّ عون و»التيار الوطني الحر» ليسا مقتنعين أصلاً بصيغة الـ18 التي تُقصي حليفهما الدرزي النائب طلال أرسلان، وإن يكن عون قد أبدى في هذا المجال مرونة مشروطة، على قاعدة ان يتم تعويض الخلل في العدد بمكاسب في جوانب اخرى.
وبهذا المعنى، هناك من يلفت الى انّ عون، ولو انه يفضّل حكومة من 20 وزيراً، لكنه ليس مستعداً ان يقاتل حتى النهاية من أجلها او ان يؤجّل التفاهم مع الحريري بسبب هذا العامل تحديداً، خصوصاً انه كان قد أوحى بليونة حيال العدد عندما كانت المفاوضات تتقدّم مع الحريري، قبل أن يَميل مجدداً الى معادلة الـ20 وزيراً، بعدما ساءت الأمور مع الرئيس المكلف. لكنّ بعض المطّلعين يستبعد في المقابل احتمال ان يتراجع عون مجدداً عن سقف الـ20 وزيراً بعد اجتماعه الاخير مع أرسلان.
أمّا «حزب الله» فيدعم عون ويعزّز موقعه التفاوضي انطلاقاً من الخطوط الخلفية، وقد سبق للحريري أن سعى جاهداً للحصول على أسماء وزرائه من معاون الأمين العام حسين خليل، الّا انّ الحزب تمسّك برفضه تزويده بهما الى حين أن يحصل الاتفاق بين الرئيس المكلف وعون، وهو الأمر الذي دفع الحريري الى أن يملأ، على طريقته، المقاعد الشيعية في التشكيلة التي رفعها الى بعبدا.
ويشير زوّار القصر الجمهوري الى انّ الحريري كان يتعمّد طيلة الفترة السابقة تقديم عروض حكومية غير بريئة، يعرف ضمناً ان عون لا يمكنه أن يقبلها، لكنه طرحها لِدَفع رئيس الجمهورية الى رفضها علناً، ما يسهّل تحميله وباسيل مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة وتأليب الرأي العام عليهما.
ولدى زوّار القصر انطباع بأنّ الحريري يشتري الوقت بتكتيك مدروس يرمي الى إحراج عون وباسيل، فإذا خضعا الى شروطه يكون قد حصل على اكثر ممّا يتوقعه ويسجل انتصاراً سياسياً، واذا امتنعا يكون هو قد ظهر في مظهر مَن أدّى واجبه ويُلقي تَبعات التأخير على عون وباسيل، في انتظار ان تحين اللحظة المواتية للولادة الحكومية.
واذا كانت عُقد عدة لا تزال تؤخّر الولادة، فإنّ إحداها يكمن في «جمر» التمثيل الدرزي الذي يَستعِر مرة تحت الرماد ومرة أخرى فوقه، وهو استدعى زيارة من أرسلان والوزيرين رمزي مشرفية وصالح الغريب الى عون قبل أيام، حيث شددوا أمامه على خطورة اختزال هذا التمثيل في الحكومة المقبلة بطرف واحد.
ولا يُخفي «حزب الله» حماسته لمشاركة حليفه الإرسلاني في الحكومة، الّا انه يتجنّب ان يكون في الواجهة، وهو سيتفادى على الارجح تكرار المعركة التي خاضها من أجل تمثيل اللقاء التشاوري في حكومة الحريري السابقة، حتى لا يُتّهم بالتعطيل ولئلّا يتبرّع بمادة اضافية للحملات المنظّمة ضده.
واللافت انّ بعض المحيطين بإرسلان يجزمون بأنّ الرئيس نبيه بري حريص أيضاً على التوازنات داخل الطوائف، بما فيها الطائفة الدرزية، وانه يستند في هذه المقاربة الى ثوابت استراتيجية، من دون إغفال تمسّكه، في الوقت نفسه، بصداقته مع جنبلاط.
ويؤكد القريبون من أرسلان انّ المسألة ليست مسألة محاصصة ولا وزيراً بالزائد او بالناقص، بل هي قضية مقاربة سياسية وحماية للتوازنات الوطنية.
ويلفت هؤلاء الى انه بعد الاجتياج الاسرائيلي للبنان، اختلّ التوازن المسيحي لصالح تنظيم مغامر، واهتزّ التوازن الدرزي لصالح فريق واحد، فكان أن أدّت أحادية القرار على الجانبين الى اندلاع حرب الجبل، من دون تجاهل تأثير الاسباب الأخرى غير المباشرة للحرب، فلماذا لا نتعلم من دروس التاريخ؟ وبالتالي، لمصلحة مَن تهميش مكوّن درزي وإقصائه عن المعادلة الحكومية؟
وينبّه الارسلانيون الى خطورة اختصار الميثاقية الدرزية بالنائب السابق وليد جنبلاط، متسائلين: ماذا لو آلت السلطة كاملة الى الحكومة المقبلة إذا شغر موقع رئاسة الجمهورية بعد نحو سنتين؟ واين الحكمة في أن تكون الطائفة الدرزية تحديداً مُختزَلة بلون واحد، علماً ان «حزب الله» بكلّ قَدّه وقَديده وصواريخه ونفوذه لا يختزل الميثاقية الشيعية، وكذلك الأمر على الساحتين المسيحية والسنية، فلماذا يُراد فرض هذه المعادلة على الجبل حصراً؟ وهل هكذا يُكافأ أرسلان بعدما دفع ثمن قناعاته وتحالفاته دماً سال في قبرشمون ولم تنته مفاعيله بعد؟
وإزاء حساسية الأمر وتعقيداته، هناك من يعتبر انّ الحل الأنسب، اذا صَفَت النيّات، قد يكمن في صيغة الـ20 او حتى الـ22 وزيراً التي تريح الجميع، خصوصاً الدروز، إذ يصبح بالإمكان عندها تمثيل جنبلاط بوزيرين وارسلان بوزير، كذلك تغدو معادلة الثلث المعطّل أقل حدة ووطأة.
اما اذا لم يتم تمثيل أرسلان وزاريّاً، فإنّ الأمر لن يمر لديه مرور الكرام وكأنه لم يكن، ومن المتوقع ان يواجه حينها حَرجاً أمام قاعدته الشعبية، ما سيضطرّه الى إجراء مراجعة لحساباته السياسية قد تفضي الى تجميد بعض تحالفاته، تِبعاً لتقديرات بعض العارفين.
فهل سيكون لوزير «الأمير» طلال أرسلان مقعد في الحكومة الجديدة فيغدو الوزير الأمير لا الملك، ام انّ دارة خلدة ستدفع ثمن أي تسوية لتشكيل الحكومة؟