هل نحتاج فعلاً الى حكومة؟ سؤالٌ طُرح في أكثر من دولة حول العالم، إثر تعذّر تشكيل حكومة مناسبة تحظى بدعم برلماني وسياسي مناسب.
حصل ذلك أكثر من مرّة في بلجيكا، حيث بقيت البلاد نحو 600 يوم من دون حكومة قبل التوصّل الى إتفاق على تشكيل الحكومة الحالية. وتكرّرت هذه الحالة مرّاتٍ عدّة في الماضي، وحصل مثلها في إيرلندا الشمالية وفي إسبانيا. أمّا في إيطاليا، فتمّ اللجوء الى حكومة إختصاصيين لملء الفراغ بعد رحيل بيرلسكوني، وفي الولايات المتّحدة، يؤدّي الخلاف بين الرئيس والكونغرس الى ما يسمّى الإغلاق الحكومي الذي يصيب بالشلل بعض المصالح العامة لمدّة محدّدة.
كان تعذّر قيام الحكومات في البلدان المذكورة يعود في أسبابه الى خلافات الأحزاب وتعدّد القوميات والإثنيات، لكنّ التأخير في تشكيل الحكومة لم يؤدِّ الى شلل الدولة وانتهاك الحياة اليومية للمواطنين وحاجاتهم الحيوية، بل على العكس من ذلك. فقد استمرّت الخدمات والتقديمات الإجتماعية والصحّية والحركة الإقتصادية على طبيعتها، بما في ذلك مواجهة الوباء “الكورونيالي” الجديد، الأمر الذي جعل كثيرين في هذه البلدان وغيرها يطرحون السؤال عن مدى الحاجة الى الحكومات في عصرنا.
والحقيقة أنّ أموراً، مثل الموازنة والعلاقات الخارجية للدولة وضرورة اتّخاذ مواقف بشأن قضايا حسّاسة، تفرض قيام حكومة، الا أنّه في الدول المتقدّمة تبقى المسائل الداخلية في طليعة الإهتمام، وغياب الحكومة لا يعني غياب الإدارة اليومية المنتظمة لحياة الناس، فتقوم أجهزة الدولة بدورها من دون إنتظار ما سيقوله هذا الوزير أو ذاك.
لا يدخل لبنان في قائمة تلك الدول التي تحلّ أجهزتها الإدارية محلّ الوزير ومستشاريه. فهو بين الدول التي يحظى فيها الزعيم الطائفي بسطوة تفوق سلطة الوزير المنتخب، بل إنّ هذا الوزير سيتحوّل الى خادم أمين لسيّده الملك الطائفي، وهو باسمه يمارس السلطة من التلقيح الى فتح المستشفى الى الجباية وتأمين التمويل. ولذلك، ليس في لبنان إدارة تعوّض غياب الحكومة، وإنما تكرارٌ للتجربة الصومالية في غياب الحكومات. ففي الصومال، غابت الحكومة 15عاماً، وعاش الصوماليون في “رغدِ” النهب والتفجير يقودهم تحالف الإرهاب والفساد… والقراصنة!
لا يستحقّ لبنان هذه النهاية، لكن لا نهاية لما يعيشه مع استمرار سلطة، كالتي تمتطيه اليوم، في التحكّم برِقابه وجيوبه… وأوكسجينه.