IMLebanon

حكومة تنتظر، ووطن يحتضر

 

عندما يصرح رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط تكرارا فيدعو الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة إلى أن يخرج نفسه من موقع التكليف الضيق وأن يقلب الوضع إلى أفق أوسع وليترك لهم المجال ليحكموا، ذاكرا أن حزب الله والتيار الوطني الحر يستلمون البلد في هذه الظروف الإنحدارية الصعبة… فليتسلموا البلد بكل من حله، وليتحملوا هم مسؤولية الربح أو الخسارة، فلماذا نشارك نحن ولا نتسلم أي شيء.

 

هو تصريع يائس لزعيم لبناني اشتهر بما يملكه من انتينات سياسية حساسة تدرك تفاصيل الواقع وتتمتع بملكة استطلاع واستنتاج معالم المستقبل، ويصرف النظر عن تقييم هذا الرأي بحسناته وسيئاته، إلاّ أن واقع الأحداث وتطورات التشكيلة الحكومية والانتقاءات والتسريبات المهينة المسربة من بعبدا بحق الرئيس المكلف والتصريحات الإنفعالية المتجاهلة تماما لواقع البلاد المتدهور إلى أقصى مهاوي الأخطار المصيرية التي وصلت إليها أوضاع الوطن والدولة ومناوراتها في تطلعات رئاسية نالت من القذائف والمطاعن ما أوقعها في مطبات تراجعية واضحة. ومع كل السلبيات التي أكلت من رصيد العهد طوال سنواته الأربع الغائبة عن الوعي، ومع تراكم سلسلة من المطالب السلبية بحقه خاصة في المحيط المسيحي الذي برزت في أوساطه جملة من المطالب والمواقف التي وصل بعضها إلى حدود المطالبة باستقالة مستعجلة تسبقها دعوات إلى انتخابات نيابية تحدد معالم الواقع المستجد وآفاق المستقبل الانقاذي المدعو إليه من فئات واسعة من شعب يزداد غرقة في وحول الدمار والخراب والتلاشي، وما يرافق ذلك ويسابقه من هجمات البطالة والجوع والمرض المتفاقم بجميع أطر الكورونا ومسبباتها ونتائجها المتسارعة إلى إطارات شمولية مخيفة باتت تطاول جموع المواطنين وتغزوهم في صلب مواقعهم وصفوفهم والمعالجات الفاشلة المتمثلة بتكدّس المصابين من ضحاياها على أبواب المستشفيات، وإمكانات مادية متلاشية تشدنا إلى الوراء وإلى مزيد هائل في عدد الإصابات وعدد الضحايا التي يفتك بها الكورونا الوبائي والسياسي والقيادي، كما يفتك بها جهل مستغرب ومستهجن لدى فئات من المواطنين ما زالت رغم كل الأحوال التي تحتل المشهد العام، تعتقد أن الكورونا اختراع وبدعة ومؤامرة، وأن هناك فئات من هذا الشعب المعاني والمكافح تفضل الموت من خلال الكورونا وغزواتها على الموت من معاناة الجوع والبطالة ورؤية الأطفال تحت ظلال المعاناة القاتلة، ويستغرب الناس من الجهات والفئات كافة، كيف أن الإحساس المسؤول قد فقد كل شعور بالمسؤولية، وما زال المشهد يتكشف عن صراع في مواقع الحكم لا يرى من مبادئ ومتطلبات السلطة إلاّ التحكم والانغماس في المساوئ والمطامع وتضخم هائل في درجات التشبث برقاب الناس والشد عليها إلى درجة الاختناق.

 

أين السلطة المانعة من مزيد من الاستفحال؟ إنها في يد الأحزاب المنبثقة عن مجمل الأوضاع الميليشيوية السابقة. إنها في يد الزعماء ومعاونيهم الذين لهفوا الثروة الوطنية وأكلوا دخل المواطنين وجنى عمرهم وحبسته المصارف وخلفياتها عنهم وعن احتياجاتهم الحياتية الملحة. إنها في يد حكم مضى عليه في مواقع السلطة أكثر من أربع سنوات، لم يشهد فيها المواطن لا إصلاحا ولا تغييرا، بل هبوطا انحداريا يصرح بأن الآخرين لم يتركوا له مجالا للعمل، وهو تجاه هذا الفراغ في النتائج، يجابه الواقع بكل عناد وتصلب ولا يستهيب من أوضاع البلاد المتراجعة إلى حدود الانهيار الكامل والزوال الكياني.

 

ولكن… واقع الأمر أن السلطة الحقيقية هي من تقبع قولا وفعلا في الحزب وإمكاناته الضخمة المحمية بقوة السلاح وبقيادة إيرانية تتباهى بأنها تمسك بزمام الأمور اللبنانية بسلطاتها كافة، ويصرح مسؤولوها بأنهم قد وصلوا إلى شواطئ المتوسط بما يعيد أمجاد الطموحات الفارسية إلى مجد عظيم، لقد وصل الحال بنا إلى هذا الواقع المؤسف نتيجة لتنازلات سابقة وصلت إلى حدود التسليم الكامل، فلم يعد ينفع الندم والتراجع واتخاذ المواقع التي يمكن ان تعيد إلى البلاد ركائز سيادتها وحكمها الوطني المستند إلى دستور استغرق منا حروبا أكلت في بلادنا ألوف الضحايا والخسائر المادية الهائلة وأوصلتنا إلى ما نحن فيه من حكم وتحكم يخرج السيادة اللبنانية بسيادات الخارج وتحكماته وإملاءاته. في الواقع العملي: آلات الإنقاذ والخلاص متعرقلة بحكم الوقائع الإقليمية والتطورات الدولية، مصحوبة بالخلل الداخلي. من يملكون السلطة… قادرون على التحوير والتغيير إذا شاؤوا وإذا سمحت لهم تطورات الأوضاع التي استجلبوها إلى هذه الجمهورية المصابة، وبانتظار تشكيل الوزارة العتيدة وحصول التغيرات الإقليمية والدولية، ندعو الله عزّ وجلّ، أن يلطف بالبلاد، شعبا ومصيرا وكيانا.