كما في لبنان كذلك في المنطقة: لا حديث يتقدم على حديث المتغيرات المنتظرة منذ انتخاب جو بايدن رئيساً لأميركا. لبنان محكوم بخواء رهيب، ومعطل بسياسة العصبيات والمحاور عن التفكير والتقرير والتدبير. والشرق الأوسط خرج من الستاتيكو منذ عشر سنين، ولم يصل في التغيير إلّا الى الخراب والحروب وعودة القوى الأجنبية وصراع المحاور و”تنمر” إيران وتركيا وإسرائيل على العرب. وليس خارج المألوف في الوطن الصغير أن يفتح إتصال هاتفي بين بايدن والرئيس ايمانويل ماكرون فرصة للخيال وتركيب السيناريوات وبناء قصور في الرمال، كما الى تغطية الأسباب الأساسية للانقلاب على المبادرة الفرنسية. ولا خارج التوقعات في المنطقة أن يراهن “محور الممانعة” على صفقة مع “الشيطان الأكبر” وأن يتخوف حلفاء أميركا من أن تكرر إدارة بايدن ما راهنت عليه إدارة اوباما في الإتفاق النووي مع ايران وما تخلت عنه في المفاوضات.
ذلك أنّ مفاتيح المتغيرات ليست في أيدي الذين يتحدثون عنها في المنطقة. وأهل السيناريوات في لبنان يجهلون محتوى ما دار حول الاتفاق النووي ولبنان بين الرئيسين الأميركي والفرنسي، ومدى الخطوات العملية للسير فيه. فمن الوهم تصور المتغيرات كأنها ستأتي في إتجاه واحد: إما صفقة مع أميركا تكرس ما حققه المشروع الايراني في العراق وسوريا ولبنان من دون أن تدفع طهران أثماناً صعبة عليها لأميركا وإسرائيل وأوروبا. وإما ضربة لإيران ومشروعها وميليشياتها، أو تجريدها، بالتفاوض، من برنامجها الصاروخي ونفوذها الإقليمي مقابل عودة واشنطن الى الإتفاق النووي ورفع العقوبات عنها. وليس من السهل الوصول الى أي منهما.
والكل يعرف ان ما طلبته إدارة ترامب هو حكومة من دون “حزب الله” ومن يقترحه، تقوم بإصلاحات جذرية وتفاوض صندوق النقد الدولي على إتفاق إنقاذي يفتح باب المساعدات الغربية والعربية. فهل هذا ما أفشل المبادرة الفرنسية التي اصطدمت بإصرار “حزب الله” والعهد على حكومة يمسكان بها، ولو قاطعها العرب والغرب، وطبعاً بحرص ايران على أن يكون تأليف الحكومة ورقة في يدها للتفاوض مع أميركا؟ هل كانت أميركا ستعلن الحرب على لبنان اذا تفاهم رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على حكومة وصدرت مراسيمها؟ وما هي الكارثة في إعطاء الأحزاب التي فشلت في إدارة البلد فرصة لفريق يتولى مهمة الإنقاذ لمدة محدودة؟
إحترام نتائج الإنتخابات “حجة لا تقلي عجة” فالسلطة التي قادت البلد الى أعمق هاوية في الأزمات، فقدت شرعيتها. والهرب الى الأمام بالحديث عن تغيير النظام ينطبق عليه قول بيتر شيال: “بدل أن تعيد إختراع العجلة، إجعلها تعمل بشكل أفضل”.