عاد الوضع الحكومي إلى المربع الأول، بعد اللقاء الفاتر بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، والذي لم يدم سوى دقائق معدودة، ما يختزل صورة الوضع القائم والمأزوم بينهما، إضافة إلى استحالة تشكيل الحكومة على الرغم من لقاء الإيليزيه الذي جمع الحريري بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وفي السياق، تكشف مصادر مواكبة، أن الأجواء التشاؤمية لا زالت تظلّل عملية التأليف، وصولاً إلى أجواء ومؤشّرات عن اصطفافات سياسية جديدة ومحاور داخلية تعيد الأزمة إلى ما كانت عليه في مرحلة العام 2005 من اغتيالات واهتزاز أمني وانقسام سياسي، وإن اختلفت التحالفات، بمعنى أنه ليس هناك من 8 و14 آذار، بل محور سياسي بدأت معالمه تنقشع ويمتد من عين التينة إلى كليمنصو وبيت الوسط وبنشعي ومعهما شخصيات مستقلة وأحزاب وتيارات سياسية، في مقابل مواجهة العهد و«التيار الوطني الحر» وبعض حلفائهم، وذلك على خلفية الإستحقاق الرئاسي والتحالفات الإنتخابية والدخول في مرحلة جديدة ربطاً بالمتغيّرات الإقليمية والدولية.
وتضيف المصادر، أن هذه المواجهات ستبقى حتى نهاية العهد، وبمعنى أوضح، فهي تَنقل عن أحد الزعماء السياسيين بأنه، ومن الأساس، لديه قناعة واضحة بأن هناك صعوبة إن لم نقل استحالة بأن يشكّل الحريري حكومة في عهد ميشال عون، على الرغم من كل المبادرات والإتصالات واللقاءات وحتى الضغوطات، والدلالة ما حصل بالأمس بعد لقائهما، والذي يعتبر دليلاً قاطعاً على بعض المسائل والمعطيات. وهذا الواقع يؤكد بأن لا حكومة في المدى المنظور وأن حكومة تصريف الأعمال ستبقى إلى نهاية العهد، وفي المحصلة لن يقدم المجتمع الدولي وتحديدا الدول المانحة، أي مساعدات في ظل الأجواء الحالية، فثمة تحوّلات جذرية من هذه الدول بالنسبة لتعاطيها مع المسؤولين اللبنانيين، وفي هذا الإطار، يندرج بيان المفوضية الأوروبية تجاه لبنان، حيث رفضت تقديم أي مساعدة، في ظل غياب حكومة الإختصاصيين.
ومن الطبيعي، وفي ظل هذه الأجواء القاتمة والموجة التشاؤمية السائدة في البلد، فإن بعض الجهات السياسية تعتقد أن ذلك سيؤدي إلى انفجار الشارع وفلتان «الملقّ»، في ظل تردّي الأوضاع الإقتصادية والمعيشية، والتي تفاقمت في الأيام الماضية مع الإرتفاع المجنون في أسعار السلع والمحروقات، إلى المعاناة الحاصلة في القطاعين الصحي والتربوي وما يتم تسجيله من مؤشّرات على انهيارهما، فكل ذلك سيؤدي إلى عودة التظاهرات والحراك وبأشكال متعدّدة.
وتكشف المصادر نفسها، عن معطيات يملكها البعض عن مسلسل من الإهتزازات التي قد تحصل في أي توقيت مع غياب الضوابط والإنقسامات السياسية العامودية، ناهيك إلى مسألة «الكِباش» الإقليمي، والذي سيكون له تداعياته على الداخل اللبناني، مما يزيد من حجم الإنقسامات القائمة، وهذا التصعيد والصراع الحاصل في الإقليم، والذي تفاعل مع النبرة الأميركية والدولية العالية تجاه إيران، سوف يشكّل عاملاً سلبياً على الإستحقاقات الداخلية، وخصوصاً تأليف الحكومة، وترجمة المبادرة الفرنسية وتنفيذها، والتي باتت في حكم المنتهية، لا سيما بعد هذا التصعيد بين بعبدا وبيت الوسط، والمرشّح لأن يتفاعل في الساعات المقبلة وتتوسّع دائرته باتجاه أطراف أخرى.
وأخيراً، وحيال هذه المشهدية السياسية القاتمة، فإن البلد وفق المتابعين، بات عرضة لكل الإحتمالات، ولن يخرج من أزماته ومعضلاته إلا بتسوية دولية مغطاة عربياً وإقليمياً، وهذا صعب المنال، باعتبار أن الصراع بين طهران وواشنطن إلى عواصم أخرى، لا يشي بأي أجواء دولية إيجابية تؤشّر إلى اعتبار لبنان أولوية في هذه الظروف والتحوّلات الدولية والإقليمية.