تكبر المسافة بين ما يجري في الشارع اللبناني وبين ما لا يجري في أروقة السياسيين الغارقين في خزعبلات وسيناريوات لا أفق لها الى المزيد من التعطيل المسرِّع للإنهيار الحاصل والمسرِع الى حتف هذا البلد الذي وقع في أيديهم ولا يريدون إفلاته إلا وهو رميم.
والواضح أن المسألة لا تقتصر على المحاصصة التي تعيق تشكيل حكومة تضمن النهب المبرمج المستمر، وإنما تتجاوزها الى ترقب الأوامر التي تلبي ضرورات التطورات الإقليمية الناجمة عن اغتيال قاسم سليماني، لتلتزم خريطة الطريق الجديدة المناسبة لهذه التطورات، وتقيد لبنان بأغلال “المسار الطويل” الهادف الى “إخراج الأميركي من منطقتنا”.
فالطبقة السياسية عندنا انفصلت إنفصالاً تاماً عن الأرض، لا علاقة لها الا باختلاق التعقيدات التي تسهل المخططات المرسومة لهذا البلد وهذا الإقليم، وتكبله بـ”تمثيلية” “عين الأسد” وبـ”الصفعة” التي تشكل “خطوة أولى وقوية ومزلزلة على طريق طويل”.
الوقت ليس مهماً، الأهم ما تهدف إليه الخطب العصماء المقرونة بكثير من الصراخ والانفعال وفبركة وقائع ومعطيات ليست على هذا الكوكب بالتأكيد.
فلنأكل ولنشرب من البطولات والانتصارات والشجاعة واللحمة الطالعة من الدعم الجماهيري والدموع التي باتت أسلحة سياسية فتاكة يرتجف منها الشيطان الأكبر.
هذا ما يريده ضابط إيقاع المنطقة المتعامي عن المسافة التي تكبر بين شعوب لم تجد الا الشارع لتعبر عن رفضها وغضبها، وتتحدى القمع والعنف والاعتقال وصولاً الى عدم الاكتراث بالقتل، لأن الموت على قيد الحياة أصبح غير محتمل مع الجوع الى التعبير والكرامة والطعام والكهرباء والماء والاستشفاء.
وكأننا حيال مجموعة من المريخيين يلعبون لعبة الوقت، لا آذان لهم ليسمعوا الهتافات التي تندد بهم. يقتلون من يزعجهم حيث يمكن القتل، ويعتقلون حيث يمكن الاعتقال، ولا يتطرقون الى الأزمات المتشابهة والمستنسخة في الدول التي يمسكون بزمام القيادة فيها. فما يقلقهم يتجاوز الحقوق الحياتية لهؤلاء الذين تم العمل عليهم منذ انطلاقة جمهورية ولاية الفقيه ان في لبنان او سوريا او العراق او اليمن، وبالأخص في إيران.
وماذا يعني الإسراع في تشكيل حكومة تحول دون وقوف اللبناني في صف طويل ليتسول من المصرف نذراً حقيراً من ماله الخاص؟
فما يعني المريخيين إقناع هذا اللبناني ومعه كل شعوب الإقليم أن جمهورية ولاية الفقيه نجحت في توجيه صفعة الى الولايات المتحدة، الواقفة على رجل ونصف. ما يعني المريخيين هو تحوير السقوط المدوي لهذا المحور وأذرعه في لبنان وغيره، حيث انفجر التمرد والغضب الشعبي حتى قبل اغتيال سليماني، الى انتصار بأساليب تقليدية وأوراق قمعية تعيد الجميع الى بيت الطاعة.
ما يعنيهم هو تكريس القدسية التي أرسوها حول رموزهم وإلغاء المنطق العقلاني لشريحة من الشعب تريد كما يريد شركاؤها في الوطن ان تحظى بحياة كريمة وبحقوق هي من بديهيات الانتساب الى دولة او حتى دويلة.
الأولوية تكمن في إبقاء المنطقة أسيرة المنطق المريخي، حتى لو تحولت صيغ الحكم فيها الى واجهة هزيلة، وظيفتها تجميل كل هذا القرف الذي يغرقنا.