فجأة، لمع الرقم ثمانية في قاموس تشكيل الحكومة العتيدة. إنفلش وسع الطوائف الرئيسية التي تضم تحت أجنحتها طوائف أخرى ثانوية. وتسربت نسائم التفاؤل مع رهانات على بركات مؤتمر فيينا تمهيداً لحل الأزمة الإيرانية – الأميركية.
وعلينا أن نهش ونبش، ففي خضم أتون الأزمة القاتلة التي تسبب بها غياب الكيمياء وانعدام الثقة بين الرئيس المكلف سعد الحريري والعهد القوي برئته الباسيلية وأوكسجين المستشارين الأشاوس، تمكنت عبقرية فذة من استنباط مدخلٍ يبيعنا أوهام الخلاص ويصور تشكيل حكومة “الثلاث ثمانيات” حلاً سحرياً، اذا لم تستمر العقد في التوالد.
والرهان على هذه المعادلة بحد ذاته كالضرب في الرمل. وإن شبِّه لنا أن المبادرات وجهود الغيارى على مناصبهم ممكنة بالتتالي والتدريج، إلا أن الواقع في مكان آخر يرتكز على التزاوج بين أجندة المحور والفيروسات المتأصلة والمتجذرة في نسيج الشخصية المعنوية والمادية للمنظومة السياسية بكل أركانها وألوانها، مهما تنوعت مذاهبها الفكرية والدينية.
والمخيف أن هذه المنظومة عبرت أطواراً ومراحل ونضجت واكتمل نموها. وبات يستحيل التعامل معها إذا لم يتم إجتثاثها كما تتم إبادة الوحوش الأسطورية في الأفلام السوريالية القائمة على الخيال العلمي، ومن دون إغفال أي خليّة من خلاياها… وإلا ستبقى العقد تتطور وتتحور وتستجِدّ وتستعصي على أي لقاح، مهما كانت قوة الجهة الدولية التي قد توفره، ومهما كبرت التهديدات وصولاً إلى العقوبات.
والمنظومة مهما تصارعت وتناتشت المصالح والمقتدرات التي يوفرها الإمساك بالسلطة، لا تأكل بعضها البعض. فهي تحب نفسها إلى درجة مخيفة وموغلة في ما هو أكبر من الأنانية وأخطر.
ونواة عقدها خبيثة وخسيسة. قلة الحياء تشكِّل المكوّن الأساسي لتفاعلات فيروساتها وتفاعلها. وكلما سقط قناع وانفضحت عورة، إزدادت النواة صلابة وتماسكاً ووقاحة واستهتاراً بمصير اللبنانيين الذين لا يزالون على الصليب يلعقون دماءهم.
وليس مبدأ الثلاث ثمانيات الذي يزيد حصص كل طائفة من دون أن يؤمن أي فعالية أو أمل بحكومة قادرة على إنقاذ الوضع إلا ضحكاً على الذقون، سواء لجهة الإتيان بإختصاصيين أكفّاء غير فاسدين أو غير ساكتين حكماً عن الفساد من غير المحاسيب التابعين لمن يوزِّرهم، أو لجهة إلغاء الثلث المعطل غير اللازم بوجود معطل أقوى، لا تستعصي على حنكته إنتفاضات وتظاهرات وحكومة بثمانيات أو أثلاث، فهو وحده من يتحكم بالمنظومة ويشكلها أو يشلّها وفق أجندة محوره الضامن لرعايتها وحمايتها واستمراريتها.
لذا، لن يكون الحل متوفراً إلا عندما يحين أوانه، سواء سافر الحريري او بقي في لبنان، وسواء تمّ التوافق على تسميات ومن يسميها، لأن الأعمال بالنيات غير المبيتة للمحور وليس بالخطابات الخشبية الممجوجة لأهل المنظومة وابتكاراتها العجائبية بثلاث ثمانيات أو من دونها.
بالتالي، إستخدام من يولِّد العقد هو استراتيجية حتمية بمعزل عن براعته في إدارة معاركه إلا من بعيد وبأدوات غيره. ولمن تنفعه الذكرى، ولأن الشيء بالشيء يذكر، فمتابعة معركة تلة الثلاث ثمانيات خلال الحرب الأهلية في الثمانينات، كما رواها قائد الجيش حينها العماد إبراهيم طنوس، كان يقودها مولِّد العقد من برمانا وليس من سوق الغرب. فهو، ومنذ ذلك الحين، في الهريبة كالغزال عندما يجد الجد… ولا يزال بالتأكيد.. وكل ثلاث ثمانيات وأنتم بخير..