بعد اضطراب المبادرة الفرنسية رغم تهديدها بعقوبات تريد جرّ أوروبا اليها، وتعثّر تحركي مصر والجامعة العربية حيال المسؤولين اللبنانيين لإنقاذهم من أنفسهم وتأليف حكومة جديدة، ليس على الاستحقاق المعطّل سوى انتظار الانهيار الشامل
لم يطل التعويل على الفرصة الأحدث المأمولة لإخراج الأزمة الحكومية من مأزقها أكثر من ساعات قليلة. في اللقاء الذي جمع رئيس مجلس النواب نبيه برّي والامين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي في 8 نيسان، ودار في جزء أساسي منه على المبادرة الاخيرة لبرّي، بدا أن ثمّة آمالاً معقودة على حصول خرق في المأزق، بعدما أظهرت زيارة موفد الجامعة انفتاحاً أوسع من زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري في اليوم السابق.
مصدر التعويل ترحيب زكي بمبادرة برّي بشقيها (حكومة من 24 وزيراً بلا ثلث معطل لأي طرف فيها) واجتماعه المحتمل برئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بعدما قاطعته زيارة شكري. إلا أن الاجتماع لم يحصل. لا باسيل ينزل من اللقلوق الى بيروت لملاقاة الديبلوماسي المصري الذي رغب في أن يكون في سن الفيل، ولا زكي يصعد الى اللقلوق للقائه بسبب ما عدّه ضيق الوقت. اقترح باسيل اجتماع الزائر بقيادة تياره فاعتذر.
إذذاك انتهى مغزى تحرّك الجامعة العربية حيث انتهى مغزى زيارة رئيس الديبلوماسية المصرية. اكتفيا بالإصغاء الى المواقف المعلنة، بلا طرح أفكار جديدة سوى محاولة بلورة المتداول منها في الداخل، وتشجيع اقتراب المتنازعين من الحوار والتفاهم.
كلاهما، شكري وزكي، بدوا يقاربان الازمة الحكومية من تقويم مشترك قبل أن يتوصلا الى الخلاصة نفسها:
1 – لمس المسؤولون الذين اجتمعوا بهما أن تنسيقهما واحد في المنطلقات، كما في التوقعات التي يقتضي أن تفضي الى تأليف حكومة لبنانية جديدة. يدعمان المبادرة الفرنسية بلا تحفّظ وصولاً الى حكومة مستقلين، ويؤيدان وجود الرئيس المكلف سعد الحريري على رأس الحكومة الجديدة مع عدم إخفاء تبنّيهما المعايير التي يضعها لها، خصوصاً حيال استبعاد حزب الله عن المشاركة فيها مباشرة أو بالواسطة، ويجدان في إجراء إصلاحات جوهرية وبنيوية في الاقتصاد والنقد حلاً وحيداً للحؤول دون الانهيار الشامل. تبعاً للقواسم المشتركة تلك، لم يكن في الإمكان تمييز أحد التحركين عن الآخر، ولا منحه أفضلية، ولا الاعتقاد بأن ما يقوى عليه احدهما لا يسع الزائر الثاني القيام به، مع ان رئيس البرلمان افصح لزكي عن يقينه بأن في امكان الجامعة العربية، المقبولة من الافرقاء اللبنانيين جميعاً، الاضطلاع بدور الوسيط الناجح. ولأنهما لم يُصغيا الا الى الذين يعدّانهم أصدقاءهما، بدا من الطبيعي تعثر المحاولتين معاً.
لأن الزائرَين المصريَّين لم يُصغيا إلا الى أصدقائهما، أخفق مسعاهما
2 – لم يكن خافياً تبيان تحرّك الجامعة العربية كجزء لا يتجزأ من التحرّك المصري، بل تحت مظلته وتأثيره. لذا – بفروق ضئيلة – سهل التحقق من ان الموانع التي يحملانها واحدة، كذلك المسموح به. كلاهما لم يلتقِ حزب الله انطلاقاً من حجة مشتركة مفادها أن ثمة موقفاً عربياً جامعاً ينتقد الحزب لعلاقته بإيران، فضلاً عما تصفه عواصم الخليج العربي بأنه منظمة إرهابية. ليس الموقف من باسيل وتياره اقل وقعاً بسبب تحالفه معه. لذا لم يُدرَج في زيارة شكري لقاء رئيس اكبر كتلة نيابية واكبر كتلة مسيحية في البرلمان، مع انه تواصل مع زعماء ورؤساء كتل اصغر حجماً، فيما تعذّر لقاء زكي به بسبب تمسك كل منهما بمكان عقد الاجتماع. ما لا يسع الزائران المصريان ان يفعلاه هو عدم الاجتماع برئيس الجمهورية ميشال عون، المعني المباشر ايضاً دستورياً وسياسياً بتأليف الحكومة.
3 – ما لا يخفيه المسؤولون المجتمعون بكلا الرجلين الاستنتاج المشترك لشكري وزكي، وهو ان المشكلة في لبنان أضحت أعمق بكثير من تأليف حكومة جديدة، وباتت مرتبطة بالمرجعيتين المعنيتين به. اختلط الشق الشخصي بالشق السياسي، وبات ما يحكم علاقة رئيس الجمهورية بالرئيس المكلف انعدام كامل للثقة في ما بينهما على نحو يتعذّر معهما الاعتقاد انهما قادران على التفاهم. سمعا منهما وجهتي نظر متعارضتين لمسار التأليف، ولم يوحِ أي من الرئيسين باستعداده للتنازل عن شروطه في ما يقتضي ان تكون عليه الحكومة، وفي حسبان هذا وذاك ان ما يدلي به محق وصائب ومشروع له ومبرر. لذا سهل على الزائرين فهم تعثر مبادرة برّي ومن ثم تعطلها. بوضوح رحب بها شكري وزكي، واظهرا استعداداً لدعمها قبل ان يتحققا، من خلال المحادثات التي أجرياها مع الافرقاء الآخرين، من ان السجالات التي احاطت في ما بعد بالمبادرة كانت كافية لإحباطها. انتقلت اليها الشروط نفسها وأُدخِلت في تفاصيل الى حدّ إهدارها.
بعد تجاوز – او ما أُوحي بأنه تجاوز – عقبتي عدد الوزراء والنصاب الموصوف في الحكومة، فقيل ان الحريري تراجع عن اصراره على 18 وزيراً وقَبِل برفعهم الى 24 وزيراً، وقيل ان عون رضي بالتخلي عن الثلث + 1 فيها، انفجرت مشكلة اكثر تعقيداً دارت من حول رفض حصول اي فريق على نصاب النصف + 1، كما الخلاف على تسمية الوزراء المسيحيين المتبقين من حصة رئيس الجمهورية والمرجعية التي تسمّيهم. عندئذ عاد الجميع الى النقطة الصفر. لم تكن المشكلة المحدثة المستجدة الا تعبيراً فاضحاً عن الانعدام الكامل للثقة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وتعذّر تفاهمهما ومساكنتهما حتى. وراء كل منهما اصطف الافرقاء الآخرون.