كثيرة هي النقاشات والأفكار والمقترحات التي تتناول الأزمة اللبنانية الراهنة، لا سيما في جانبها النقدي والمالي والاقتصادي، ولكن قليلة هي الآذان التي تسمع أو العقول التي تكترث!
لا تصريف ولا تأليف! هذا هو الحال الحكومي في لبنان وكأن البلاد ليست على شفير الإنهيار (اذا لم تكن قد دخلته فعلاً)!
حدث سابقاً في لبنان أن اجتمعت الحكومة بعد استقالتها (وقد نُشرت دراسة مفصلة في هذا الصدد)، بحيث حتمت الظروف الضاغطة هذا الانعقاد في ظل تعثر عملية التأليف. فهل من وضع أسوأ من الوضع الراهن الذي يتطلب قرع جرس الإنذار على كل المستويات؟
صحيح أن حكومة تصريف الأعمال لا تستطيع اتخاذ قرارات جذرية وشاملة (وهي اساساً لم تتخذها عندما كانت قائمة قبل الاستقالة)، ولكن الصحيح أيضاً أنه بالامكان اتخاذ إجراءات قطاعية ومصرفية ومالية ترسم حدوداً للازمة وتحد من سرعة التدهور والانهيار.
وعلى المقلب الآخر، الترف السياسي بلغ أوجه عند بعض القوى السياسية التي عطلت عملية التأليف وفرضت الشروط تلو الشروط، ثم قلبت الطاولة ونكثت بتعهداتها متغاضية عن الثورة التي حاولت مراراً امتطاء شعاراتها وأهدافها، لا بل كرست انفصالها عن الواقع بالقول إن هذه الثورة انفجرت دعماً لها وللعناوين السياسية التي ترفعها!
بعد 29 عاماً، حقق العماد ميشال عون حلمه الرئاسي، وبات يجلس في قصر بعبدا. مرت نصف الولاية الرئاسية والتدهور الذي تشهده البلاد غير مسبوق! إقفال مؤسسات، بطالة، فساد، هدر، سرقات، سمسرات، وصولاً إلى الثورة. الحلم تحقق ولكن الوطن ينهار. هل يا ترى تسنى لرئيس الجمهورية في لحظة ما الاستماع إلى رائعة لطفي بوشناق: “خذوا المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن!”.
عندما سبق وانتقد البعض مصطلح “الرئيس القوي”، انتفض البعض الآخر ليقول بالميثاقية أو ليرد بأنه يفترض بالرئيس أن يتمتع بحيثية شعبية وكتلة برلمانية وازنة وكتلة وزارية تمثله داخل كل حكومة يتم تشكيلها! لماذا يفترض أن ينال الرئيس – الذي هو نظرياً مدعو لأن يكون على مسافة واحدة من مختلف الاطراف – حصة وزارية؟
رئيس الجمهورية يفترض أن يكون في موقع حامي الدستور والساهر على تطبيقه والمشرف على حسن سير المؤسسات السياسية، فاذا به يتحول إلى طرفٍ، يخاصم هذا ويصادق ذاك ويدخل في لعبة المحاصصة التي سبق وأعلن أنه سوف يحاربها!
ثم، هل بالامكان استعراض تجارب رؤساء الجمهوريات “الاقوياء” وإلى ماذا انتهت عهودهم الرئاسية؟ هل كان الرئيس فؤاد شهاب قوياً ويترأس كتلة برلمانية وازنة؟ ألم يحقق عهد الرئيس شهاب ما لم يحققه أي عهد لناحية الإصلاحات السياسية والمؤسساتية التي تم تأسيسها واطلاقها؟ هل استطاع سياسي واحد أن يطلق سهام الإتهام ضد هذا الرئيس أو أن يشير إليه بتهمة فساد؟ هل وظف الازلام والمحاسيب؟
لقد دخل الرئيس فؤاد شهاب التاريخ، وسيدخله كذلك الرئيس ميشال عون، ولكن كلٌ من زاوية مناقضة للأخرى!