IMLebanon

الأقطاب… ونجومُ الجنرالات

 

في أواسط التسعينيّات، دُعيتُ إلى إلقـاء محاضرةٍ على منبر مؤسّس «ندوة حوار الإثنين» الأستاذ أحمد طبارة، والمحاضرة بعنوان: «مستقبل لبنان».

 

فور الإنتهاء من التلاوة، كانت مداخلةٌ لأحدِ أقطاب الكلمة مُنَح الصلح ملاحظاً: أنّ المحاضرة تَطْغى عليها موجةٌ قاتمةٌ من التشاؤم حيال مستقبل لبنان.

 

وكان جوابي عن ملاحظته: إنَّ لبنان تعرّض عبرَ التاريخ لسلسلةٍ رهيبة من المِحَن: كانت هناك مِحَنٌ كبيرة وكان رجال كبار، واليوم تواجهنا مِحنٌ كبيرة، ولا رجال.

 

كنتُ أقصدُ بذلك، مَنْ غاب من الرجال الأقطاب، ومَـنْ هُمْ على طريق الغياب، وكنتُ كمَنْ يستشْرِف الطوالع المستقبلية للأقطاب الذين كان مصيرهم الإغتيال.

 

وفي المجال السياسي والوطني هناك فارقٌ كبير بين سياسيين ورجال سياسة، وبين رجال دولة ودولة الرجال.

 

هذه المعادلة يحدّدها نابوليون بقوله: «إنّ جيشاً من الوعول يقوده أسد، خيرٌ من جيش من الأسود يقوده وَعـل.

 

يوم كان في لبنان أقطاب، كان أربعة رجال منهم يؤلّفون حكومةَ كـلِّ لبنان، بغضِّ النظر عن إنتمائهم الطائفي.

 

فؤاد شهاب ألَّـفَ حكومته سنة 1958 من: رشيد كرامي، حسين العويني، بيار الجميل وريمون إده، ولأن فؤاد شهاب هالةٌ وطنية لـمْ «يُـمَوْرِن» الكرسي، كان هو يمثّـل حقوق الطوائف الأخرى في الحكومة.

 

بهذا، كان رئيساً قـويّاً، ولم تكن قوَّتُه بالنجوم التي على كتفَـيْهِ، بل بالنجوم التي في رأسه.

 

والرئيس، أيُّ رئيس ولو كان حزبياً، يجب أن يكون رئيس دولة الشعب لا رئيس دولة الحزب، وإلاّ فقد ينهار الحكم والحاكم معاً.

 

في زمان الأقطاب تكرّرت حكومة فؤاد شهاب الرباعية على عهد شارل حلو سنة 1968 بالمثلَّث الحكومي الذهبي نفْسِه: العويني ـ الجميل ـ إدّه، برئاسة عبدالله اليافي.

 

وفي زمان الإنحطاط يستحيل تأليف حكومة من 24 وزيراً، لأنّ الأقطاب ماتوا، ولأن النجوم تنْطفيء على الكتفيْن.

 

من سوء حظّ لبنان، أنّ الأقطاب لم يُنْجبوا أقطاباً، وأنَّ المرشحين لـ«القطْبية» طاردتهم بندقيتان : بندقية الوصايات وبندقية الميليشيات، وكنّا دائماً نضع الذنب على البندقية التي تلفظ النار، لا على الإصبع الذي يضغط على الزناد.. ورحنا نترحَّم على السلَف بلسان الفرزدق: «أولئك آبائي فَجِئْـني بمثلهم..»

 

إذا كان الوطن ينهض برجاله، فهو أيضاً يُستَهدف برجاله، وإنّ ما يدعو إلى القلق أن نرى خصائص لبنان الممّيزة تتقلَّص عن وجهه التاريخي، كأنما يُرادُ لَهُ أنْ يلتحق بركْبِ الدول البوليسية والديكتاتورية فتولَدُ فيه الأجيال وتتوالد، وحين تصطدم بانهيار حضارته التاريخية وأصالته الديموقراطية، ونموذجيَّته الروحية، وقيمهِ الإنسانية، تنكمشُ عنه الأجيال برهبة الرفض وترحل.

 

من المعروف تاريخياً، أنّ الأنظمة الديكتاتورية والبوليسية، لا تقوم إلاّ بدحرجة رؤوس الأقطاب ورموز المعارضين والمثقَّفين والصحافيّين، على غرار ما نشهد في بعض دول العالم ودول المنطقة.

 

«أندري ساخاروف» أبرز علماء روسيا، وأبو القنبلة الهيدروجينية السوفياتية، حاملُ جائزة نوبل وأوسمة لينين وستالين، بعدما عُيِّن رئيس لجنة حقوق الإنسان، وضعته الميليشيا السوفياتية هو وزوجته في السجن.

 

على أيّ حال… وفي انتظار ما تكتب الأيام لمستقبل لبنان الغامض، فهل يُقَـدَّر لنا أنْ نعتمد ما ورد في مجموعة قصص «حديقة الورد» للأديب الفارسي مصلح الله عبدالله: وقد سأل ملكٌ ظالم أحـدَ الأولياء الصالحين، أيّ شيء أفضل من الصلاة، فأجابه الوليّ: أفضل من الصلاة أنْ تظلَّ نائماً فلا تؤذي أحداً من خلْقِ الله.