IMLebanon

مقايضة الحكومة بالإستقرار هل تنجح؟

 

لم يعد ممكناً إقناع اللبنانيين أنّ ما يعيق تشكيل الحكومة هو تنافس على حقائب وازنة أو غير وازنة، أوعلى دور طليعي في إنقاذ لبنان، فالخلاف الذي كان يحصل في حكومات الوحدة الوطنية السيئة السمعة والخارجة عن الأصول الدستورية، والتي كان يُزج بكافة المكونات السياسية في داخلها ويختلط فيها الإداء الجيد بالإداء الفاسد، وتلقى تبعات الفشل على رئيسها من قِبل من لديه الصوت الأمني الأقوى في الشارع وليس الوزن السياسي، إنتقل اليوم الى حلفاء الصف الواحد.

 

الفرقاء الذين يشكّلون الحكومة هم تجمّع من فريق رئيس الجمهورية الرافض لاتّفاق الطائف كدستور جديد للبنان بعد الدستور الموروث عن سلطة الإنتداب، ومن حلفاء سوريا التي لم يقتنع «أسداها»، الأب والإبن، يوماً بسيادة لبنان واستقلاله، بل عطّلا تطبيق دستوره باختلاق إجراءات وطقوس وأعراف.  القاسم المشترك الحاضر دائماً بين الفريقين هو تهشيم وتهميش دور رئيس الحكومة الذي دخل كموقع أساسي في تكوين السلطة، بصرف النظر عن الإختلاف في الدوافع التي يثيرها لدى كلّ منهما، وما الإمعان في سياسات تعقيد مهام تأليف الحكومات في مرحلة الوصاية السورية وما بعد اتّفاق الدوحة سوى ترسيخ منهجي لهذا المنحى.

 

الرائحة السورية العابقة في كل أروقة التأليف وبصمات ورقابة فرسان مرحلة الوصاية المهيمنة على كلّ صيغ التشكيل المعروضة، تسقطان أي قيمة وأي مصداقية للإدعاء أنّ النماذج المعروضة هي لحكومات مستقلة أو تقنية. ما يحصل هو صراع سياسي يذهب إلى ما هو أبعد من التنافس السلبي على السلطة والمال العام اللذين سيكوّنان عصب الإستحقاقات الدستورية المقبلة ضمن الفريق الواحد. على المستوى الداخلي إستحقاق رئاسة الجمهورية التي أُعلنت نهاية صلاحيتها على يدّ وزير الخارجية جبران باسيل قبل سواه واستحقاق الإنتخابات النيابية الذي ينذر بتغييرات غير محسوبة، وعلى المستوى الإقليمي إستحقاق وضع اليد على لبنان بقوة الإجماع الوطني ووضعه في خدمة المشروع المتهالك في كلّ من سوريا وإيران. ولهذا فإنّ المماطلة في التشكيل لا تزال تعني أنّ الحل الأمثل هو في استعادة كلّ المكونات الى الوعاء الحكومي وسَوق الدولة والمجتمع نحو قدر المواجهة مع المجتمع الدولي.

 

يتنافس المحلي مع الإقليمي بين شركاء الصف الواحد، فيما يراقب حزب الله تنامي الموقف الدولي الجامع في مواجهة إيران منذ سقوط قاسم سليماني. الخط البياني الذي يجمع استمرار الولايات المتّحدة بفرض المزيد من العقوبات الإقتصادية، ومن ضمنها وضع مهل لإنهاء الإتفاقات التجارية معها، الى جانب التسارع في الإجراءات الأوروبية عبر تفعيل آلية فضّ النزاعات مع إيران المتعلّقة بالإتّفاق النووي ورفض أي مساعٍ للتوصّل الى اتّفاق مع طهران، مما يتيح للدول الأطراف إعادة فرض عقوبات عليها وإخطار مجلس الأمن الدولي بذلك، بالإضافة الى اعتبار وزارة الخزانة البريطانية حزب الله بجناحيه السياسي والعسكري منظّمة إرهابية مما يعني تجميد أصوله، وموافقة البرلمان الألماني قبل أسابيع على اقتراح يحث حكومة المستشارة أنجيلا ميركل على حظر جميع أنشطة حزب الله المدعوم من إيران على الأراضي الألمانية، مشيراً إلى «أنشطته الإرهابية» خاصة في سوريا، يتسق مع خط بياني آخر ترسمه المواجهة المفتوحة في شوارع بغداد وبيروت بين الإدارات السياسية التي تدور في فلك طهران والثورات الشعبية التي تحظى بالرعاية الأميركية والتي تحول دون تمكّن طهران من تشكيل السلطة في كليّ البلدين بالرغم من حيازتها للأغلبية النيابية.

 

لقد تلقّى المسؤولون المعنيّون أكثر من رسالة دولية للإسراع في تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات، ولكن مفهوم ودور الحكومة المتعسّرة الولادة هو الإبتزاز والإمتناع القصدي عن إنجاز المطلوب.  الحكومة المنتظرة هي المناورة الوحيدة المتبقية لحزب الله وحلفائه قبل التفكير بالإنتقال الى بدائل أمنية عبر تحويل الشارع الى وسيلة تخاطب صاخبة، علّ ذلك يفضي إلى مقايضة القبول الدولي بأية حكومة بالحفاظ على الإستقرار الوطني. لكنّ المجتمع الدولي الذي اتّخذ قراره في مسألة النفوذ الإيراني يبدو عصيّاً على العابثين بساحات بيروت لإلزامه على إعادة ترتيب أولوياته .

 

مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات