تشتدّ المواجهة السياسية بين أفرقاء اللعبة، إذ إنّ المتاريس عادت لترتفع بشكل قوي وسط القصف المتبادل والذي لا يرحم الشعب. عاش لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري فترة مواجهة بين فريقَي 8 و14 آذار، وهذه المواجهة طبعت المرحلة الماضية، لكن التسوية الرئاسية التي أفضت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية أعادت خلط الأوراق واندثر أثر 8 و14 آذار.
وفي السياق، فإن مجلس النواب، والحكم في لبنان، كان يتوزّع على قوى أساسية كبرى وقوى أصغر حجماً، لكن إنتخابات عام 2018 فرزت 6 قوى أساسية داخل مجلس النواب هي “حزب الله”، “التيار الوطني الحرّ”، حركة “أمل”، تيار “المستقبل”، الحزب “التقدمي الإشتراكي” و”القوات اللبنانية”، في حين كانت هناك شخصيات وأحزاب أخذت حجماً لم يكن مؤثراً في اللعبة، لكنّ دعم “حزب الله” جعلها تصمد، مثل تيار “المردة” والحزب “الديموقراطي اللبناني”، وتميّز حزب “الكتائب” بخطابه المعارض بعد خروجه من السلطة.
وقلبت إنتفاضة 17 تشرين كل المعادلات، وبات حزب “القوات اللبنانية” خارج حسابات الحكم، وقد دعا إلى حكومة إختصاصيين مستقلّة قبل الثورة ورفض الدخول إلى جنّة الحكم، في حين أن رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط الذي يضع “إجر في البور وإجر في الفلاحة” بات يُصنّف على أنه قوة غير مؤثّرة في السياسية الحالية بعدما كان “بيضة القبان”.
وأمام كل هذه العوامل أصبح هناك 4 قوى فقط تتحكّم بالحكومة والسلطة، وهي “حزب الله” و”أمل” و”التيار الوطني الحرّ” وتيار “المستقبل”، لكن حتى ضمن هذه التركيبة هناك تحالفات عميقة إذ إن رئيس مجلس النواب نبيه برّي يُعتبر السند والداعم الأساسي للرئيس المكلّف سعد الحريري في مواجهة رئيس الجمهورية ورئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل، في حين يقف “حزب الله” على الحياد حتى الآن محاولاً التوفيق بين برّي والحريري من جهة وبين عون وباسيل من جهة اخرى.
ويتحدّث أكثر المتفائلين عن أنّ كل الكلام عن تأليف حكومة قريباً لا أساس له من الصحة، فالرهان الأول كان على الإنتخابات الأميركية وحصلت تلك الإنتخابات وكشفت زيف إتهامات محور “الممانعة” بأن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب كانت تُعرقل التأليف، من ثمّ حصل رهان على حوار فيينا وقمة الرئيس الأميركي جو بايدن مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وبعدها رُبط موعد التأليف بالإنتخابات الإيرانية، لكنّ كل تلك الإستحقاقات الدولية لم تحلّ عقدة واحدة في مسار التشكيل. وكان الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية جوزيب بوريل أكثر الشخصيات وضوحاً وصراحة، إذ حمّل الجزء الأكبر والأساسي من المشكلة التي تعصف بلبنان إلى سوء إدارة السياسيين وقلّة مسؤولية الحكّام، وبالتالي وضع الكرة في الملعب اللبناني الداخلي، رافضاً أن تتقاذفها الرياح الإقليمية. ويبدو أن الرباعي الحاكم حالياً، أي “الحزب” و”أمل” و”المستقبل” و”التيار”، يتلهّى بلعبة شدّ الحبال وشدّ العصب وتسجيل النقاط والقول أمام الجمهور العريض إننا نحن من ندافع عن حقوق الطوائف والملل ولا يستطيع أحد غيرنا القيام بهذه المهمة، ويساهم بدفع الوضع نحو جهنم. وفي هذه الأثناء تؤكد المعلومات غياب أي مسعى جدّي أو مبادرة جديدة لتأليف الحكومة لأن كل المبادرات السابقة تمّ نسفها عن سابق تصوّر وتصميم ما يعني أن البلاد ذاهبة حتماً إلى “جهنم” لكن بلا حكومة.
وإذا كان “حزب الله” مُصرّاً على تكليف بري التشاور ومحاولة تدوير الزوايا، إلا أن فريق العهد بات يعتبر أن رئيس المجلس طرف ولا يمكن أن يكون وسيطاً عادلاً، ما يدلّ على أن الأزمة الحكومية باتت غير قابلة للحل في المدى المنظور.