IMLebanon

حكومة بـ«ثقة» الكتل الــــنيابية «غصباً عنها»… وإلّا؟!

 

 

بصراحة غير مسبوقة قال ديبلوماسي فاعل إنّ القيادات اللبنانية لم تفهم بعد ما هو مطلوب منها فِعله، والأرجح أنها لا تريد ذلك. فإطلاق مسيرة التعافي والإنقاذ تفرض التوصّل الى حكومة من خارج التركيبة الحزبية وتنال ثقة الكتل النيابية غصباً عنها. ففشلها في إدارة شؤون البلاد والعباد دفع الى مطالبتها بالتنازل عن حقها بتسمية وزرائها. وإلّا ما هو المتوقع؟

 

لم يكن الديبلوماسي يمزح عندما قدّم مطالعته الديبلوماسية والسياسية والاقتصادية بكل سلاسة، معتبراً أنه «كان علينا كمجتمع دولي يعتني بالشؤون اللبنانية أن نكون واضحين منذ اللحظة الأولى في تحديد المسؤوليات والأدوار. فالفشل الذي ميّز أداء السلطة على مختلف مستوياتها في إدارة شؤون اللبنانيين تجلّى في أكثر من محطة في السنوات الاربع الاخيرة. فإلى بوادر الأزمة النقدية التي توقعتها تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسسات التصنيف الائتماني كانت أوضح ممّا يحتاجه خبير مالي او اقتصادي ليفهم ما يعانيه البلد من فورة اصطناعية مالية ونقدية في ظل طاقم سياسي لم يحتسب سوى ما يمكن أن يجنيه من سلطة ومال ومواقع نفوذ بصيغة وصلت الى حدود تقاسم المال العام بعيداً عمّا تقول به القوانين وحيث تسمح لتشريع أعمال سرقته.

 

وعندما انفجر العنبر الرقم 12 في مرفأ بيروت، قدّم أركان السلطة نموذجاً فريداً من نوعه في العالم من العجز الفاقع، ولولا تكليف الجيش المهمة الكبرى لما حضر ايّ مظهر من مظاهر الدولة في مسرح الجريمة التي اجتاحتها البعثات الأجنبية التي جاءت بكلابها المدربة من تشيلي للبحث تحت الأنقاض. ولذلك، كانت المبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس ايمانويل ماكرون اولى الرسائل الواضحة التي وجّهها المجتمع الدولي الى اللبنانيين، فأعلنوا «إكراماً لعيون الضيف الفرنسي» في زيارته الثانية لبيروت موافقتهم «الملغومة» على 90 % منها ومن خريطة الطريق التي اقترحها. فاعتقد اللبنانيون السذّج انّ القادة وأركان السلطة سيصدقون هذه المرة وانّ الطريق الى مرحلة التعافي والانقاذ لن تطول أكثر من 6 اشهر قبل ان يكتشف اللبنانيون ومعهم العالم عكس ذلك.

 

وبعد أن أعلن الثنائي الشيعي تمسّكه بحقيبة وزارة المال و»التيار الوطني الحر» بوزارة الطاقة قبل ظهور العقبات الاخرى عند توزيع الحقائب الخدماتية والاساسية، بدأت تتهاوى الصيغة الحكومية. وما زاد في الطين بلة انّ رئيس الجمهورية تحدث عشيّة الاستشارات النيابية الملزمة، التي قادت الى تسمية الرئيس المكلف سعد الحريري، عن مجموعة من الشروط التي كان يجب التوقف عندها، قبل ان يصيب التركيبة المقترحة للحكومة مَقتلاً بحديثه عن ضمان نيل ثقة الكتل النيابية في المجلس قبل تشكيلها، فأسقطَ ثالث «أوراق التين» التي كانت تغلّف الموافقة على 90 % من المبادرة الفرنسية.

 

والدليل لم يكن غافلاً على أحد، فالحديث عن «حكومة مهمة» يُسقط كثيراً من الشروط القانونية والدستورية. فالحديث عن ثقة الكتل النيابية التي ارتبط أداؤها في السنوات الاخيرة بمنطق تقاسم الحقائب بعد تصنيفها المهين للوزراء بين سياديين وخدماتيين وعاديين يعني انّ أحداً لم يفهم المبادرة المقترحة، وألغى مواصفات حَدّدها الدستور الذي ساوى بين الوزراء وجعل رئيسهم متقدماً على سواه ليس أكثر ولا أقل.

 

ولفت الديبلوماسي العتيق الى أنّ بعض القادة لم يفهموا انّ ما أقرّوا به على طاولة قصر الصنوبر المستديرة ألغى حق الكتل النيابية في اختيار وزرائها لمجرد القبول بالوزراء الحياديين البعيدين كل البعد عن الاصطفاف السياسي والحزبي في لبنان، ليس من أجل إلغاء مشاركة «حزب الله» في الحكومة العتيدة وتعطيلها كما فسّره البعض فحسب، وإنما من أجل إلغاء تمثيل آخرين بمَن فيهم رئيس الجمهورية وحزب «العهد»، اي «التيار الوطني الحر»، والثنائي الشيعي وبقية الاحزاب الأخرى المختلفة الممثلة في البرلمان وخارجه. ولتكون البلاد في عهدة حكومة «حيادية» و»مستقلة» تستطيع ان تقود العملية الإصلاحية التي تعهّد بها قادة الكتل والأقطاب منذ أكثر من عقدين من الزمن ولم يلتزموا بتعهداتهم، فوصلت البلاد الى ما وصلت إليه من انهيار طاوَل وجوه الحياة والقطاعات الحيوية واحدة بعد أخرى الى حدود إعلان الدولة «المارقة» و»الفاشلة» و»العاجزة» عن توفير أبسط مقومات العيش لمواطنيها من ماء وكهرباء ودواء ومحروقات وطبابة وتعليم.

 

أمّا وقد طال انتظار هذا التفسير الديبلوماسي الصريح الذي كان يجب ان يكون واضحاً في أذهان اللبنانيين منذ البداية، فقد لفت الديبلوماسي العتيق الى انّ الأمر سيعود قريباً الى الظهور. فالحراك الدولي الذي شهد لبنان نموذجاً منه في الأيام الاخيرة التي سبقت وتلت يوم «الصلاة والتأمل من اجل لبنان» الذي دعا اليه قداسة البابا فرنسيس في الفاتيكان في 1 تموز الجاري، أحيا هذه النظرية في انتظار ان تتبلور قريباً نتيجة الجهود التي ستجمع القوى الدولية مجدداً.

 

ولذلك، يتوقف الديبلوماسي بكثير من الثقة عند اعادة تكوين القوة الدولية بنواتها الثلاثية الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية على خلفية ما تلقّاه من دعم الاسرة الدولية والهيئات الأممية والإقليمية. فلم يعد خافياً على احد انّ هذا الثلاثي يمثّل مختلف هذه القوى مدعوماً من الامم المتحدة بتضامن 4 على الأقل من الدول الخمس ذات العضوية الدائمة فيها بعد انضمام روسيا وبريطانيا اليه من دون ان تكون الصين خارج هذا الإطار، مضافة الى ما يمثّله الإتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي من قدرات ولو بدرجات وأشكال متفاوتة وبشروط ستتّضِح عناوينها قريباً بما يجمع هذه القوى تجاه ما يحتاجه لبنان للخروج من أزمته ولا يفرّقها.

 

وإن توقّف الديبلوماسي نفسه عند عدم توافر مواصفات الحيادية والإستقلالية في موقع رئيس الحكومة اذا بقيت الاكثرية متوافقة على تكليف الحريري المهمة، اعتبر انه يمكن قراءة هذا الموقع من خلال التركيبة اللبنانية «الميثاقية» التي تميز في المواصفات المطلوبة لرؤساء السلطات من صفات تمثيلية طائفية فلا يجب التوقف عندها متى توافرت بقية المقومات التي تسمح بتشكيل الحكومة المطلوبة. فالحريري لن يكون مطلق اليدين كما يعتقد البعض الخائف منه مثل الآخرين المؤيّدين له. فهو، وبموجب التزاماتها الدولية تجاه «حكومة المهمة»، سيبقى منضوياً ضمن سقف اللعبة الدولية التي ستفرض توازناً جديداً لمصلحة «قوة تغييرية» في البلاد تُبعد شبح المتسلّطين على مقدرات البلاد والعباد والسّاعين الى تقاسم النفوذ والحصص على خلفية ما يعبّرون عنه من انقسامات طائفية ومذهبية مهما بالغَ البعض في استخدامها لتعزيز موقع اهتَزّ وحماية مصالح باتت ثقلاً كبيراً على جميع اللبنانيين. فكل ما هو مطلوب يقود في وضوح الى مرحلة التعافي رغماً عن توجّهات البعض الراغب ببقاء البلد في هذا المحور أو ذاك، ليبقى منبوذاً ومحاصراً لدى مختلف القوى الحية في العالم.