Site icon IMLebanon

بحكومة وبلا حكومة

 

بحكومة وبلا حكومة، ستتعزز الإدارة الدولية للأزمة اللبنانية. لو تشكلت، لكان لبنان وقواه السياسية قاطبة سيحتاجون إلى التناغم مع المعايير الدولية لوضع آلية المساعدات المشروطة بالإصلاحات “الطارئة” والعاجلة كما يصفها المجتمع الدولي، وتلك المتوسطة والبعيدة المدى التي تتيح تدفقاً للعملات الأجنبية إليه.

 

لو تشكلت لكانت لعرقلة الإصلاحات وربطها بالموقف السياسي من هذه الجهة أو تلك من باب استخدام لبنان ورقة تفاوضية أو وسيلة لتبادل الضغوط، عواقب لا تستثني العقوبات على افتراض أن سبباً من أسبابها كان قد زال. فإعاقة الإصلاحات جراء المماحكات التي كان الفريق الرئاسي المحترف بممارستها في اي حكومة، ينوي الإمعان بها، يساوي التسبب بتعميق المأزق الاقتصادي الكارثي الذي يحتاج إلى إجراءات سريعة ودؤوبة من أجل كسر المسار التراجعي المأسوي لتدحرج التدهور في مجالات عدة أولها القفزات الجنونية لسعر الصرف، الذي يشكل لجمه العامل الرئيسي في خطط تصحيح الاقتصاد والوضع المالي وإفلاس المصارف ومحدودية قدرة مصرف لبنان على إنفاق ما تبقى لديه. مهمة أي حكومة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، بحكومة أو من دون حكومة، بدأ المجتمع الدولي إعداد العدة لضمان حصولها منذ الخريف الماضي، وسط تحضير لآلية رقابة عليها تتوسع دائرتها أو تضمر وفق قابلية المعادلة السياسية للقبول بها. وهو ما يحتاج إلى قبول من الفريق الممسك بالسلطة أي تحالف الفريق الرئاسي و”التيار الوطني الحر” مع “حزب الله”، الذي أمامه تحدي التخلي عن معزوفة التدخل الدولي في الشؤون الداخلية، بعدما صارت الإدارة الدولية لانتشال البلد من أزمته مسألة لا غنى عنها. لو تشكلت الحكومة لكانت خطوة أولى على درب الألف ميل التي على لبنان اجتيازها، من دون أحلامٍ وردية. فوقف التدهور وحده له أثمان، على القوى السياسية المتهمة بالتسبب بتفاقمه أن تقوم بتسديدها، بعيداً عن قرارات التعطيل التي كانت أجهضت الإصلاحات المطلوبة على مدى عقود، تحت راية التدخلات الإقليمية التي حولت البلد إلى حلبة لتبادل اللكمات في الصراع الإقليمي.

 

لو ولدت الحكومة لفتحت الباب على نوع من المهادنة من قبل المجتمع الدولي مع رجال العهد ومسببي العرقلة، من دون أية أوهام حول إمكان استعادة العلاقة بين الطبقة السياسية والدول الكبرى المعنية بلبنان. بعد الاعتذار، وفي كل الأحوال، المهادنة متوقفة على ما سينجم عن المعادلة الإقليمية من الآن حتى نهاية الصيف، في حال التوصل إلى اتفاق في محادثات فيينا على النووي، ينعكس على سائر أزمات الإقليم. فالمقدمات التي سبقت الاعتذار والمتمثلة بتنسيق فرنسي أميركي، وفرنسي مصري ضاغط، وتعاون روسي مصري ملح على التأليف، وكلام السفير البابوي “الناصح” بأن لا حلول بلا حكومة (السفير البابوي جوزيف سبيتري)، ستتبعها عواقب وعقوبات. هذا فضلاً عن الاحتمال القوي لاشتراك الإدارة الأميركية في هذه العقوبات.

 

بحكومة لكنا شهدنا تعديلات على الخريطة السياسية الإقليمية في شأن لبنان، تأخذ في الاعتبار موجبات وجود فرصة لإنقاذ البلد. والأرجح ان الحكومة لو تشكلت برئاسة الحريري لكان ذلك سهّل تعاطياً مرناً مع إيران، على افتراض ان “حزب الله” كان ساهم بالدفع نحو قيامها.

 

بلا حكومة، وبصرف النظر عن تفاصيل المداولات بين رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون والحكومة المكلف سعد الحريري والمناورات التي حصلت من اجل أن يرمي الفريق الرئاسي مسؤولية إفشال المحاولة، من نافل القول إن العقوبات الأوروبية على معرقلي الحكومة آتية في نهاية الشهر الجاري. هذا ما حمله الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل، كما يؤكد أكثر من مصدر وفقاً للمعلومات عن التنسيق والتعاون بين القوى الدولية على رغم تبايناتها في الموقف من الوضع اللبناني. استمرار الفراغ سيخلق دينامية أكثر نشاطاً على الصعيد الدولي.

 

من نتائج استمرار الفراغ، إضافة إلى المزيد من التدهور في الأوضاع المعيشية، تعزيز الإدارة الدولية للخدمات الأساسية المتهاوية، بموازاة انتقال الصراع إلى كيفية إيجاد البديل للحريري وتركيبته الحكومية، ومدى استعداد الفريق الرئاسي لتسهيل كل ذلك. ومن نتائجه بالطبع المزيد من العزلة للفريق الرئاسي على الصعيد الخارجي، ومزيد من الانكشاف لدور “حزب الله” الذي ما زال يتلطى بغطاء الرئاسة و”التيار الوطني الحر”، الذي سيزداد هشاشة

 

الأكثر خطورة سيكون مضاعفة أفرقاء إلى حلول مناطقية للتردي الحياتي والاجتماعي غير المسبوق، في شكل يعزز النزعة الانقسامية عند البعض في ظل الفوضى الكبرى…